يتم التشغيل بواسطة Blogger.
RSS

هواتف الجنان لابن أبي الدنيا


 بسم الله الرحمن الرحيم
(1/1)
1 - قال أبو بكر بن أبي الدنيا رحمه الله تعالى : حدثنا أبو خيثمة بن حرب ، حدثنا عبد الله بن معاذ الصنعاني ، حدثنا معمر ، عن ، الزهري ، حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، أن جابر بن عبد الله قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث قال : « بينا أنا أمشي ، إذ سمعت صوتا في السماء ، فرفعت بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فجثثت منه رعبا ، فرجعت فقلت : زملوني (1) زملوني فدثروني (2) فأنزل الله عز وجل ( يا أيها المدثر (3) ) إلى قوله ( والرجز فاهجر » (4) ) «
__________
(1) زملوني : غطوني ولفوني
(2) دثَّره : غطاه
(3) سورة : المدثر آية رقم : 1
(4) سورة : المدثر آية رقم : 5
(1/2)
2 - حدثنا خالد بن خداش ، حدثنا عبد الله بن وهب ، أخبرنا يونس عن ابن شهاب ، حدثني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، ما أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد ؟ قال : « لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل فلم يجبني فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلما كنت بموضع كذا رفعت رأسي فإذا أنا قد أظلتني سحابة فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال : إن الله عز وجل قد سمع قول قومك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال : يا محمد إن الله عز وجل قد سمع قول قومك وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فيما شئت إن شئت أطبق عليهم الأخشبين (1) » فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا شريك له »
__________
(1) الأخشبان : الجبلان المُطِيفان بمكة ، وهما أبو قُبَيْس والأحمر ، سُمِّيا بذلك لصلابتهما وغلظ حجارتهما
(1/3)
3 - حدثنا بندار بن بشار ، حدثنا أبو داود ، حدثنا جعفر بن عبد الله القرشي ، أخبرني عمر بن عبد الله بن عروة بن الزبير عن أبيه عروة بن الزبير ، عن أبي ذر الغفاري قال : قلت : يا رسول الله ، كيف علمت أنك نبي ؟ وبما علمت حتى استيقنت ؟ فقال : « يا أبا ذر أتاني ملكان وأنا ببطحاء مكة فوقع أحدهما بالأرض وكان الآخر بين السماء والأرض فقال أحدهما لصاحبه : أهو هو ؟ قال : هو هو قال : فزنه برجل قال : فوزنني برجل فرجحته ثم قال : زنه بعشرة فوزنني بعشرة فرجحتهم ثم قال : زنه بمائة ، فوزنني بمائة فرجحتهم حتى جعلوا ينتثرون علي من كفة الميزان فقال أحدهما لصاحبه : شق بطنه فشق بطني فأخرج قلبي فأخرج منه مغمز الشيطان وعلق الدم فطرحهما فقال أحدهما لصاحبه : اغسل بطنه غسل الإناء واغسل قلبه غسل الملاء ثم قال أحدهما لصاحبه : خط بطنه فخاط بطني وجعل الخاتم بين كتفي كما هو الآن ووليا عني فكأني أعاين الأمر معاينة »
(1/4)
4 - حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي بكر ، أنه حدث عن ابن عباس قال : حدثني رجل من بني غفار قال : أقبلت وابن عم لي حتى صعدنا على جبل يشرف بنا على بدر ونحن مشركان لننظر للوفود على من تكون الدائرة فننتهب مع من ينتهب فبينا نحن في الجبل إذ دانت مثل السحابة فسمعنا فيها مثل حمحمة (1) الخيل ، سمعت قائلا يقول : أقدم حيزوم ، فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه فمات وأما أنا فكدت أهلك ثم تماسكت
__________
(1) الحمحمة : صوت الفرس دون الصهيل
(1/5)
5 - حدثني أبي ، أخبرنا عمار أبو اليقظان عن سعد بن طريف ، عن أبي جعفر ، قال : نادى مناد يوم بدر يقال له رضوان ، « لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي »
(1/6)
6 - حدثنا محمد بن بكار ، ثنا الوليد بن أبي ثور الهمداني ، ثنا السدي ، عن عباد بن أبي يزيد ، عن علي بن أبي طالب قال : « كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فخرجنا في بعض نواحيها خارجا من مكة بين الجبال والشجر فلم نمر بشجر ولا جبل إلا قال : السلام عليك يا رسول الله »
(1/7)
7 - حدثنا الحسين بن محمد ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق ، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : « لما أرادوا غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا فيه فقالت : والله ما ندري أنجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثيابه أو نغسله وعليه ثيابه فلما اختلفوا ألقى الله عز وجل عليهم النوم حتى ما فيهم رجل إلا وذقنه في صدره ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت أن اغسلوا النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه فقاموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسلوه وعليه قميصه بصنبور الماء فوق القميص ويدلكونه والقميص دون أيديهم وكانت عائشة تقول : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه »
(1/8)
8 - حدثني محمد بن صالح القرشي حدثني محمد بن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي بن حسين ، عن علي بن أبي طالب قال : « لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء آت يسمع حسه ولا يرى شخصه فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، إن في الله عز وجل عوضا عن كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل ما فات فبالله عز وجل فثقوا وإياه فارجوا فإن المحروم من حرم الثواب والسلام عليكم »
(1/9)
9 - حدثني الحسين بن يحيى الدعاء جار أبي همام ، حدثنا حازم بن جبلة ، عن أبي نضرة العبدي ، عن خارجة بن مصعب ، عن زيد بن أسلم ، عن سويد بن غفلة ، عن علي بن أبي طالب قال : « لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم وسجي بثوب هتف هاتف من ناحية البيت يسمعون صوتا ولا يرون شخصا : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته والسلام عليكم أهل البيت فردوا عليه فقال ( كل نفس ذائقة الموت (1) ) الآية إن في الله عز وجل خلفا من كل هالك وعزاء من كل مصيبة ودركا من كل ما فات فبالله فثقوا وإياه فارجوا فإن المصاب من حرم الثواب »
__________
(1) سورة : آل عمران آية رقم : 185
(1/10)
10 - حدثني إسماعيل بن أبي محمد بن بسام ، حدثني صالح المري ، عن أبي حازم المديني ، قال : « لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المهاجرون فوجا فوجا يصلون ويخرجون ثم دخلت الأنصار فوجا فوجا فيصلون ويخرجون ثم دخل أهل بيته حتى إذا فرغت الرجال دخلت النساء فكان فيهن صوت وجزع (1) كبعض ما يكون منهن فسمعن هدة في البيت فسكتن فسمعن قائلا يقول ولا يرين شيئا : في الله عزاء من كل هالك وعوض من كل مصيبة وخلف من كل ما فات فالمحبور من حبره الثواب والمصاب من لم يحبره الثواب »
__________
(1) الجزع : الخوف والفزع وعدم الصبر والحزن
(1/11)
11 - حدثنا خالد بن خداش ، حدثنا حماد بن زيد ، عن عبد الله بن المختار ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « مر بي جعفر الليلة يطير مع الملائكة له جناحان ، أبيض القوادم مضرج بالدماء » حدثنا خالد بن خداش ، حدثنا إسحاق بن الفرات ، بإسناد له نحوه وزاد فيه : « يبشرون أهل بيته بالمطر »
(1/12)
12 - حدثنا خالد بن خداش ، حدثنا مهدي بن ميمون ، عن واصل ، مولى أبي عيينة ، عن لقيط ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى قال : « خرجنا غازين في البحر فبينما نحن والريح لنا طيبة والشراع لنا مرفوع إذ سمعنا مناديا ينادي يا أهل السفينة قفوا أخبركم حتى والى بين سبعة أصوات قال : فقام أبو موسى على صدر السفينة فقال : من أنت ؟ وإلى أين أنت ؟ ألا ترى أين نحن ؟ وهل تستطيع وقوفا ؟ فأجابه الصوت فقال : ألا أخبركم بقضاء قضاه الله عز وجل على نفسه ؟ فقال : بلى ، قال : إن الله عز وجل قضى على نفسه أنه من عطش نفسه لله عز وجل في يوم حار كان حقا على الله عز وجل أن يرويه يوم القيامة » قال : فكان أبو موسى يتوخى اليوم الشديد الحر الذي يكاد الإنسان فيه أن ينسلخ حرا فيصومه
(1/13)
13 - حدثنا عيسى بن عبد الله التميمي ، أخبرني فهير بن زياد الأسدي ، عن موسى بن وردان ، عن الكلبي ، وليس بصاحب التفسير ، عن الحسن ، عن أنس بن مالك ، قال : « كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يكنى أبا معلق ، وكان تاجرا يتجر بماله ولغيره يضرب به في الآفاق وكان يزن بسداد وورع فخرج مرة فلقيه لص مقنع في السلاح فقال له : ضع ما معك فإني قاتلك قال : ما تريد إلى دمي ؟ شأنك بالمال فقال : أما المال فلي ولست أريد إلا دمك قال : أما إذا أبيت (1) فذرني أصلي أربع ركعات قال : صل ما بدا لك قال : فتوضأ ثم صلى أربع ركعات فكان من دعائه في آخر سجدة أن قال : يا ودود ، يا ذا العرش المجيد ، يا فعال لما يريد ، أسألك بعزك الذي لا يرام وملكك الذي لا يضام وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص ، يا مغيث ، أغثني ، يا مغيث ، أغثني ، ثلاث مرار قال : دعا بها ثلاث مرات فإذا هو بفارس قد أقبل بيده حربة (2) واضعها بين أذني فرسه فلما بصر به اللص أقبل نحوه فطعنه فقتله ثم أقبل إليه فقال : قم قال : من أنت بأبي أنت وأمي ؟ فقد أغاثني الله بك اليوم قال : أنا ملك من أهل السماء الرابعة دعوت بدعائك الأول فسمعت لأبواب السماء قعقعة ثم دعوت بدعائك الثاني فسمعت لأهل السماء ضجة ثم دعوت بدعائك الثالث فقيل لي : دعاء مكروب فسألت الله تعالى أن يوليني قتله » قال أنس : فاعلم أنه من توضأ وصلى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء استجيب له مكروبا كان أو غير مكروب
__________
(1) أبى : رفض وامتنع
(2) الحربة : أداة قتال أصغر من الرمح ولها نصل عريض
(1/14)
14 - حدثنا علي بن الجعد ، أخبرنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن شقيق ، عن مسروق ، قال : قال عبد الله : « بينا رجل ممن كان قبلكم في أرض يشقها إذ مرت به عثانة (1) فسمع فيها صوتا : اذهبي إلى أرض فلان فاسقيه فخرج الرجل يمشي في ظلها حتى انتهى إلى أرض الرجل وقد تفقأت في نواحيها وهو قائم يسيل الماء فيها فقال له : أي شيء تصنع في أرضك ؟ قال : إذا أدرك الزرع قسمته ثلاثة أثلاث فرددت في الأرض ثلثا وتصدقت بثلث وحبست لعيالي ثلثا » ، قال مسروق : فكان عبد الله يرسلني على أرضه كل عام براذان فأصنع فيها مثل هذا
__________
(1) العثان : الدخان من غير نار أو الغبار أو أثره
(1/15)
15 - حدثنا عبد الله بن عفان ، حدثني عطاء بن مسلم الحلبي ، عن العمري ، قال خوات بن جبير : أصاب الناس قحط (1) شديد على عهد عمر بن الخطاب فخرج عمر بالناس يصلي بهم ركعتين وخالف بين طرفي ردائه (2) جعل اليمين على اليسار واليسار على اليمين ثم بسط يده فقال : « اللهم إنا نستغفرك ونستسقيك » قال : فما برح من مكانه حتى مطروا فبينا هم كذلك إذا أعراب قدموا المدينة فأتوا عمر بن الخطاب فقالوا : يا أمير المؤمنين بينا نحن بوادينا يوم كذا وكذا ، إذ أظلنا غمام وسمعنا بها صوتا ينادي أتاك الغوث أبا حفص أتاك الغوث (3) أبا حفص
__________
(1) القحط : الجدب والجفاف واحتباس المطر وعدم نزوله
(2) الرداء : ما يوضع على أعالي البدن من الثياب
(3) الغوث : الإعانة والنصرة
(1/16)
16 - حدثني محمد بن عثمان العجلي ، حدثني سليمان بن أحمد ، حدثني محمد بن حبيب الرملي ، عن ابن لهيعة ، عن مالك بن الأزهر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن عمر بعث سعد بن أبي وقاص على العراق فسار حتى إذا كان بحلوان أدركته صلاة العصر وهو في سفح جبلها فأمر مؤذنه نضلة فنادى بالأذان فقال : الله أكبر الله أكبر ، فأجابه مجيب من الجبل كبرت يا نضلة كبيرا . فقال : أشهد أن لا إله إلا الله قال : كلمة الإخلاص قال : أشهد أن محمدا رسول الله قال : بعث النبي قال : حي على الصلاة قال : البقاء ؛ لأنه محمد قال : حي على الفلاح قال : كلمة مقولة قال : الله أكبر الله أكبر قال : كبرت كبيرا قال : لا إله إلا الله ، فانفلق الجبل فإذا شيخ أبيض الرأس واللحية هامته مثل الرحى فقال له : من أنت ؟ قال : أنا زريب بن ثرملا وصي العبد الصالح عيسى ابن مريم ، دعا ربه عز وجل لي بطول البقاء وأسكنني هذا الجبل على نزوله من السماء فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويتبرأ مما فعله النصارى ، ما فعل النبي ؟ قلنا : قبض فبكى بكاء شديدا حتى خضب لحيته بالدموع قال : من قام فيكم بعده قلنا أبو بكر قال : ما فعل ؟ قلنا : قبض قال : فمن قام فيكم بعده ؟ قلنا عمر قال : فأقرئوه مني السلام وقولوا له : يا عمر سدد وقارب فإن الأمر قد تقارب ، خصال إذا رأيتها في أمة محمد فالهرب الهرب ، إذا استغنى الرجال بالرجال والنساء بالنساء وكان الولد غيظا والمطر قيظا وزخرفت المساجد وزوقت المساجد وتعلم عالمهم ليأكل به دنياهم ، وخرج الغبي فقام له من هو خير منه ، وكان أكل الربا فيهم شرفا ، والقتل فيهم عزا فالهرب الهرب ، قال : فكتب بها سعد إلى عمر فكتب عمر ، صدقت ؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « في بيت الجبل وصي عيسى ابن مريم فأقرئه مني السلام » فأقام سعد بنفس المكان أربعين صباحا ينادي يا ثرملا ، فلا يجاب
(1/17)
17 - حدثنا الصلت بن مسعود الجحدري ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا عبيد الله بن طلحة ، عن أبي جعفر محمد بن علي قال : « لما ظهر سعد على حلوان العراق بعث جعونة بن نضلة في الطلب قال : فأتينا على غار أو نقب فحضرت الصلاة قال : فأذنت فقلت : الله أكبر الله أكبر فأجابني مجيب من الجبل كبرت كبيرا قال : فاختبأت جزعا (1) قال : فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله قال : أخلصت فالتفت يمينا وشمالا فلم أر أحدا قال : قلت : أشهد أن محمدا رسول الله قال : نبي بعث ، قلت : حي على الصلاة قال : فريضة وضعت قلت : حي على الفلاح قال : قد أفلح من أجابها استجاب لها كل ملك يقول ، فالتفت فلم أر أحدا قال : قلت : جني أنت أم إنسي ؟ ائت ، فأشرف علي شيخ أبيض الرأس واللحية فقال : أنا زريب بن ثرملا من حواريي عيسى ابن مريم وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأنه الحق وأنه جاء بالحق من عند الحق وقد علمت مكانه فأردته فحال بيني وبينه كفار فارس فأقرئ صاحبك السلام فكتب سعد إلى عمر فكتب عمر : ابغونيه الرجل فطلب فلم يوجد »
__________
(1) الجزع : الخوف والفزع وعدم الصبر والحزن
(1/18)
18 - حدثني عبد الرحمن بن صالح الأزدي ، حدثنا حسين بن علي الجعفي ، عن ابن جريج ، عن عطاء « أن رجلا أهل هلالا بفلاة (1) من الأرض فسمع قائلا يقول : اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلام والإسلام والهدى والمغفرة والتوفيق لما ترضى والحفظ لما تسخط ، ربي وربك الله ، فلم يزل يلقنهن حتى حفظتهن ولم أر أحدا »
__________
(1) الفلاة : الصحراء والمفازة ، والقفر من الأرض ، وقيل : التي لا ماء بها ولا أنيس
(1/19)
19 - حدثني القاسم بن هاشم ، حدثنا آدم بن أبي إياس ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، حدثنا معان بن رفاعة السلامي ، عن إبراهيم بن عبد الرحمن ، قال : « مر يحيى بن زكريا عليهما السلام على قبر دانيال فسمع صوتا ، والقبر يقول : سبحان من تعزز بالعزة وقهر العباد بالموت ، ثم مضى يحيى فإذا هو بصوت من السماء يقول : أنا الذي تعززت بالعزة وقهرت العباد بالموت ، من قالهن استغفرت له السماوات والأرضون ومن فيهن »
(1/20)
20 - حدثني محمد بن الحسين ، وعلي بن إبراهيم السهمي ، وغيرهما قالوا : حدثنا داود بن المحبر ، عن عبد الواحد بن الخطاب ، قال : « أقبلنا قافلين (1) من بلاد الروم نريد البصرة حتى إذا كنا بين الرصافة وحمص سمعنا صائحا يصيح من تلك الرمال سمعته الآذان ولم تره الأعين يقول : يا مستور يا محفوظ اعقل في ستر من أنت ، فإذا كنت لا تعقل في ستر من أنت فاتق الدنيا فإنها جمر الله عز وجل فإن كنت لا تتقيها فاجعلها شركا ثم انظر أين تضع قدميك منها »
__________
(1) قفل : عاد ورجع
(1/21)
21 - حدثنا سعيد بن سليمان ، وهارون بن عبد الله ، قالا : حدثنا محمد بن يزيد بن خنيس ، قال وهيب بن الورد ، قال رجل : « بينا أسير في أرض الروم ذات يوم سمعت هاتفا فوق رأس الجبل وهو يقول : يا رب عجبت لمن يعرفك كيف يرجو أحدا غيرك ؟ ثم دعا الثانية فقال : يا رب عجبت لمن يعرفك كيف يستعين على أمره غيرك ؟ ثم دعا الثالثة فقال : يا رب ، عجبت لمن يعرفك كيف يتعرض لشيء من غضبك برضا غيرك ؟ قال : فناديته فقلت : أجني أنت أم إنسي ؟ قال : بل إنسي اشغل نفسك بما يعنيك عما لا يعنيك »
(1/22)
22 - حدثني محمد بن عبد المجيد التميمي ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن وهيب بن الورد ، قال : « بينما أنا في السوق ، إذ أخذ أحد بقفاي فقال : يا وهيب خف الله على قدرته عليك واستحي من الله في قربه منك فالتفت فلم أر أحدا »
(1/23)
23 - حدثني محمد بن العباس ، وإسماعيل بن أبي الحارث ، قالا : حدثنا داود بن المحبر ، حدثنا المبارك بن فضالة ، عن ثابت البناني ، قال : « إنا لوقوف بجبل عرفات وإذا شابان عليهما العباء (1) القطواني ينادي أحدهما صاحبه يا حبيب ، فيقول الآخر : أينك أيها المحب ، قال : ترى الذي تحاببنا فيه وتواددنا له معذبنا غدا في القبر ؟ قال : فسمعنا مناديا سمعته الآذان ولم تره الأعين يقول : لا ليس بفاعل » وهذا لفظ محمد بن العباس
__________
(1) العباء : كساء مشقوق واسع بلا كمين يُلبس فوق الثياب
(1/24)
24 - حدثني مشرف بن أبان أبو ثابت ، حدثني عبد العزيز بن أبان ، وليس بالقرشي قال : « كنت أصلي ذات ليلة أو كنت نائما فهتف بي هاتف : يا عبد العزيز كم منظف الثوب حسن الصورة يتقلب بين الجب وجهنم غدا »
(1/25)
25 - حدثني أبو ثابت الخطاب ، حدثني رجاء بن عيسى ، قال : قال لي عمرو بن جرير : « تدري أي شيء كان سبب توبتي ؟ خرجت مع أحداث بالكوفة فلما أردت أن آتي المعصية هتف بي هاتف : ( كل نفس بما كسبت رهينة (1) ) »
__________
(1) سورة : المدثر آية رقم : 38
(1/26)
26 - حدثني علي بن الحسن بن أبي مريم ، عن إسحاق بن منصور بن حيان ، حدثني محمد بن الفضل ، عن أبي أسماء ، « أن رجلا دخل غيضة فقال : لو خلوت هاهنا بمعصية من كان يراني فسمع صوتا يملأ ما بين حافتي الغيضة (1) ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير (2) ) »
__________
(1) الغيضة : الأجمة وهي الشجر الملتف
(2) سورة : الملك آية رقم : 14
(1/27)
27 - حدثني علي بن الجعد ، عن علي بن عاصم ، حدثنا المستلم بن سعيد ، قال : « كان رجل بأرض طبرستان قال : وصل أرضا أشبة كثيرة الشجر ، قال : فبينما هو يسير إذ نظر إلى ورق الشجر قد جف فتساقط وتراكم بعضه على بعض فجعل يفكر في نفسه وهو يسير أترى الله عز وجل يحصي هذا كله ؟ فسمع مناديا ينادي ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير (1) ) »
__________
(1) سورة : الملك آية رقم : 14
(1/28)
28 - حدثنا أبو نصر التمار ، حدثنا مسكين أبو فاطمة ، عن مزرع بن موسى ، عن عمرو بن قيس الملائي ، قال : « بينما أنا أطوف بالكعبة إذا برجل نأى (1) عن الناس ، وهو يقول : من أتى الجمعة وصلى قبل الإمام وصلى مع الإمام وصلى بعد الإمام كتب من القانتين (2) ، ومن أتى الجمعة فلم يصل قبل الإمام ولا مع الإمام ولا بعد الإمام كتب من الفائزين ثم غاب فلم أره فلما كان في الجمعة الثانية رأيته نائيا من الناس وهو يقول مثل مقالته ثم غاب فلم أره فدخلت من باب الصفا فطلبته بأبطح مكة فلم أجده فسألت عليه أصحابي قال : فأخبرتهم فقالوا : الخضر قلت : الخضر ؟ »
__________
(1) نأى : ابتعد
(2) القانت : المطيع العابد الذاكر لله تعالى القائم بأمره
(1/29)
29 - حدثنا أحمد بن إبراهيم العبدي ، حدثني محرز بن أبي خديج ، عن سفيان بن عيينة ، قال : « رأيت رجلا في الطواف حسن الوجه حسن الثياب منيفا على الناس قال : فقلت في نفسي : ينبغي أن يكون عند هذا علم قال : فأتيته فقلت له : تعلمنا شيئا فقل شيئا ، فلم يكلمني حتى فرغ من طوافه ثم أتى المقام فصلى خلفه ركعتين خفف فيهما ثم أقبل علينا فقال : أتدرون ماذا قال ربكم ؟ قلنا : وماذا قال ربنا ؟ قال الهاتف أسمعه قال : أنا الله الملك الذي لا يزول فهلموا إلي أجعلكم ملوكا لا تزولون ثم قال : أتدرون ماذا قال ربكم ؟ قلنا : وماذا قال ربنا ؟ قال : أنا الله الحي الذي لا يموت فهلموا إلي أجعلكم أحياء لا تموتون ثم قال : أتدرون ماذا قال ربكم ؟ قلنا : ماذا قال ربنا ؟ قال : أنا الله الملك الذي إذا أردت أمرا أقول له كن فيكون فهلموا إلي أجعلكم إذا أردتم أن تقولوا للشيء كن فيكون » ، قال ابن عيينة : فذكرته لسفيان الثوري فقال : كان ذلك الخضر ولكن لم تعقل
(1/30)
30 - حدثنا عبيد الله بن عمر الجشمي ، حدثنا جعفر بن سليمان ، عن مالك بن دينار ، قال : سمع صوت يوم أصيب عمر بتبالة ليلا ليبك على الإسلام من كان باكيا فقد أوشكوا هلكى وما قدم العهد فأدبرت الدنيا وأدبر خيرها وقد ملها من كان يوقن بالوعد
(1/31)
31 - حدثني محمد بن نصر بن الوليد ، عن أبي عبد الرحمن الطائي ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن رجل ، قال : « بينما أنا في جبال مكة إذ وجدت قرطاسا فيه كتاب » بسم الله الرحمن الرحيم براءة لعمر بن عبد العزيز من النار « وسمعت قائلا يقول : دان الزمان وذل السلطان وخسر الشيطان لعمر بن عبد العزيز » قال : فوالله ما لبثنا (1) إلا أياما حتى أنبئنا بوفاته فلما مات أتيت هذا الموضع الذي وجدت فيه القرطاس فإذا أنا بصوت أسمع ولا أرى الوجه يقول : عنا فداك مليك الناس صالحة في جنة الخلد والفردوس يا عمر أنت الذي لا نرى عدلا يسر به من بعده ما جرت شمس ولا قمر
__________
(1) لبث : مكث وانتظر وأقام
(1/32)
32 - حدثني محمد بن الحسين ، حدثني سليمان بن أيوب ، سمعت عباد بن عباد المهلبي يذكر « أن رجلا من أهل البصرة تنسك ثم مال إلى الدنيا والسلطان فبنى دارا وشيدها وأمر بها ففرشت له وجهزت فاتخذ مأدبة (1) وصنع طعاما ودعا الناس فجعلوا يدخلون عليه فيأكلون ويشربون وينظرون إلى بنائه ويتعجبون منه ويدعون ويتفرقون قال : فمكث بذلك أياما حتى فرغ من أمر الناس ثم جلس ونفر من خاصة إخوانه فقال : قد تزايد سروري بداري هذه وقد حدثت نفسي أن أتخذ لكل واحد من ولدي مثلها فأقيموا عندي أياما استمتع بحديثكم وأشاوركم فيما أريد من هذا البناء لولدي ، فأقاموا عنده أياما يلهون ويشاورهم كيف يبني لولده وكيف يريد أن يصنع ، فبينا هم ذات يوم في لهوهم حدث إذ سمعوا قائلا يقول من أقاصي الدار : يا أيها الباني الناسي منيته (2) لا تنس موتك إن الموت مكتوب على الخلائق إن سروا وإن فرحوا فالموت حتم لذي الآمال منصوب لا تبنين ديارا لست تسكنها وراجع النسك كيما يغفر الحوب قال : ففزع لهذا أصحابه فزعا شديدا وراعهم ما سمعوا من هذا فقال لأصحابه : هل سمعتم ما سمعت ؟ قالوا : نعم قال : فهل تجدون ما أجد ؟ قالوا : وما تجده ؟ قال : أجد والله مسكة على بدني ما أراها إلا علة الموت قالوا : كلا بل البقاء والعافية قال : فبكى ثم أقبل عليهم فقال : أنتم أخلائي وإخواني فما لي عندكم ؟ قالوا : مرنا بما أحببت من أمرك قال : فأمر بالشراب فأهريق (3) ثم أمر بالملاهي فأخرجت ثم قال : اللهم إني أشهدك ومن حضر من عبادك أني تائب إليك من جميع ذنوبي نادم على ما فرطت أيام مهلتي وإياك أسأل إذا هديتني أن تتم علي نعمتك باقي أيامي في طاعتك وإن أنت قبضتني إليك أن تغفر لي ذنوبي تفضلا منك علي واشتد به الأمر فلم يزل يقول : الموت والله الموت والله حتى خرجت نفسه فكان الفقهاء يرون أنه مات على توبة »
__________
(1) المأدبة : الطعام يصنعه الرجل يدعو إليه الناس
(2) المنية : الموت
(3) هراق : سكب وصب
(1/33)
33 - حدثني محمد بن الحسين ، حدثني يوسف بن الحكم الرقي ، حدثني فياض بن محمد الرقي ، أن عمر بن عبد العزيز ، بينما هو يسير على بغلة (1) ومعه ناس من أصحابه إذا هو بجان ميت على قارعة (2) الطريق فنزل عمر فأمر به فعدل به عن الطريق ثم حفر له فدفنه وواراه (3) ثم مضى فإذا هو بصوت عال يسمعونه ولا يرون أحدا وهو يقول : ليهنك البشارة من الله يا أمير المؤمنين ، أنا وصاحبي هذا الذي دفنته آنفا من النفر من الجن الذي قال الله عز وجل ( وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن (4) ) وإنا لما أسلمنا وآمنا بالله وبرسوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبي هذا : « أما إنك ستموت في أرض غربة يدفنك فيها يومئذ خير أهل الأرض »
__________
(1) البغلة : المتولدة من بين الحمار والفرس ، وهي عقيمة
(2) قارعة الطريق : هي وسطه وقيل أعلاه
(3) وارى : ستر وأخفى وغيب وغطى
(4) سورة : الأحقاف آية رقم : 29
(1/34)
34 - حدثني محمد بن الحسين ، حدثني أبو الوليد الكندي ، حدثنا كثير بن عبد الله أبو هاشم الناجي ، قال : قال الحسن : دخلنا على أبي الرجاء العطاردي ، فسألناه هل عندك علم بالجن ممن بايع النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فتبسم وقال : « أخبركم بالذي رأيت وبالذي سمعت كنا في سفر حتى إذا نزلنا على الماء وضربنا أخبيتنا (1) وذهبت أقيل إذا بحية دخلت الخباء وهي تضطرب فعمدت إلى إداوتي (2) فنضحت (3) عليها من الماء فلما نضحت (4) عليها سكنت وكلما حبست عنها الماء اضطربت حتى أذن المؤذن بالرحيل فقلت لأصحابي : انتظروني حتى أعلم علم هذه الحية إلى ما يصير فلما مكثنا للعصر ماتت فعدت إلى عيبتي فأخرجت منها خرقة (5) بيضاء فلففتها وحفرت لها فدفنتها وسرنا بقية يومنا هذا وليلتنا حتى إذا أصبحنا ونزلنا على الماء وضربنا أخبيتنا وذهبت أقيل فإذا أنا بأصوات : سلام عليك لا واحد ولا عشرة ولا مائة ولا ألف أكثر من ذلك فقلت : من أنتم ؟ قالوا : نحن الجن بارك الله عليك قد اصطنعت إلينا ما لا نستطيع أن نجازيك ، قلت : وما اصطنعت إليكم ؟ قالوا : إن الحية التي ماتت عندك كان ذلك آخر من بقي ممن بايع النبي صلى الله عليه وسلم من الجن »
__________
(1) الأخبية : مفردها خباء وهي الخيمة
(2) الإداوة : إناء صغير من جلد يحمل فيه الماء وغيره
(3) النضح : الرش بالماء
(4) النضح : الرشّ
(5) الخرقة : القطعة من الثوب الممزق
(1/35)
35 - حدثني محمد بن عباد بن موسى العكلي ، حدثنا مطلب بن زياد الثقفي ، حدثنا أبو إسحاق « أن ناسا من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا في مسير لهم وأن حيتين اقتتلتا فقتلت إحداهما الأخرى فعجبوا لطيب ريحها وحسنها فقام بعضهم فلفها في خرقة ثم دفنها فإذا قوم يقولون : السلام عليكم - لا يرونهم - أيكم دفن عمرا ، إن مسلمينا وكفارنا اقتتلوا فقتل مسلمنا وكان من الرهط (1) الذين أسلموا مع النبي صلى الله عليه وسلم »
__________
(1) الرهط : الجماعة من الرجال دون العشرة
(1/36)
36 - حدثنا خالد بن خداش ، حدثني معلى الوراق ، عن مالك بن دينار ، قال : « دخلت على جار لنا مريض أعوده فقلت له : عاهد الله عز وجل أن تتوب لعله أن يشفيك قال : هيهات يا أبا يحيى ، أنا ميت ذهبت أعاهد كما كنت أعاهد فإذا هاتف من ناحية البيت يقول : عاهدناك مرارا قد وجدناك كذابا قال : فما خرج مالك من الدار حتى سمع النائحة (1) عليه »
__________
(1) النائحة : الباكية على الميت بجزع وعويل لها أو لغيرها
(1/37)
37 - حدثني محمد بن الحسين ، حدثني يحيى بن السكن ، حدثنا الهيثم بن جماز ، عن يحيى بن أبي كثير ، قال : « دخلت على رجل أعوده (1) فوجدته جزعا (2) من الذنوب نادما على ما سلف من عمله قلت : استعتبت ؟ قال : هيهات هيهات قد سألته مرة بعد مرة واستقلته مرة من بعد أخرى فأقالني فلما كانت مرضتي هذه قلت : أقلني فلن أعود أبدا فسمعت صوتا من ناحية بيتي يا هذا قد أقلناك فوجدناك كذابا »
__________
(1) العيادة : زيارة الغير
(2) الجزع : الخوف والفزع وعدم الصبر والحزن
(1/38)
38 - حدثني عبيد الله بن عمرو ، حدثنا يحيى ، عن الحسن بن عطية ، حدثني موسى بن أبي حبيب ، عن عبد المجيد صاحب مصر الذي مدحه أبو نواس قال : قال لي أبو نواس ، « خرجت إلى الكوفة فلما صرت بطيزناباذ حضرني عنب ، فقلت : » بطيزناباذ كرم ؟ ما مررت به إلا تعجبت مما يشرب الماء ؟ فجاءني هاتف من تحت الشجرة وفي جهنم ماء ما تجرعه خلق فأبقى له في البطن أمعاء «
(1/39)
39 - حدثني محمد بن الحسين ، حدثني داود بن المحبر ، حدثني سوادة بن أبي الأسود ، قال : إن أبا خليفة العبدي ، قال : « مات ابن لي صغير فوجدت (1) عليه وجدا شديدا فارتفع عني النوم فوالله إني ذات ليلة في بيتي على سريري وليس في البيت أحد وإني مفكر في ابني إذ نادى مناد من ناحية البيت : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، يا أبا خليفة قلت : وعليك السلام ورحمة الله قال : ورعبت رعبا شديدا قال : فتعوذ ثم قرأ آيات من آخر سورة آل عمران حتى انتهى إلى هذه الآية ( وما عند الله خير للأبرار (2) ) ثم قال : يا أبا خليفة قلت : لبيك (3) قال : ماذا تريد ؟ تريد أن تخص بالحياة في ولدك دون الناس ؟ أنت أكرم على الله أم محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قد مات ابنه إبراهيم فقال : » تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط (4) الرب « أم تريد أن يرفع الموت عن ولدك ؟ وقد كتبه الله على جميع الخلق ، أم ماذا تريد ؟ تريد أن تسخط على الله في تدبير خلقه ؟ والله لولا الموت ما وسعتهم الأرض ولولا الأسى ما انتفع المخلوقون بعيش ثم قال : ألك حاجة ؟ قلت : من أنت يرحمك الله ؟ قال : امرؤ من جيرانك من الجن »
__________
(1) الوجد : الغضب ، والحزن والمساءة وأيضا : وَجَدْتُ بِفُلانَة وَجْداً، إذا أحْبَبْتها حُبّا شَديدا.
(2) سورة : آل عمران آية رقم : 198
(3) التلبية : أصل التلبية الإقامة بالمكان ، وإجابة المنادي ، ولبيك أي إجابة لك بعد إجابة
(4) السخط : الغضب أو كراهية الشيء وعدم الرضا به
(1/40)
40 - حدثني أبو محمد الحسن بن علي ، حدثنا أبو بكر بن زبريق ، حدثنا أيوب بن سويد ، حدثني يحيى بن زيد الباهلي ، عن عمر بن عبد الله الليثي ، عن واثلة بن الأسقع ، قال : « كان إسلام الحجاج بن علاط البهزي ثم السلمي أنه خرج في ركب من قومه يريد مكة فلما جن عليهم الليل في واد مخوف موحش فقال له أصحابه : يا أبا كلاب قم فخذ لنفسك وأصحابك أمانا فقام الحجاج فجعل يطوف حولهم ويكلؤهم ويقول : أعيذ نفسي وأعيذ صحبي من كل جني بهذا النقب حتى أءوب سالما وركبي قال : فسمعت صوتا يقول : ( يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان (1) ) قال : فلما قدموا المدينة خبر به في نادي قريش فقالوا : صبأت (2) والله يا أبا كلاب ، إن هذا مما يزعم محمد أنه أنزل عليه قال : قد والله سمعته وسمعه هؤلاء معي فبينا هم كذلك إذ جاء العاص بن وائل فقالوا له : يا أبا هشام ، ما تسمع ما يقول أبو كلاب ؟ قال : وما يقول ؟ فأخبر بذلك فقال : وما يعجبكم من ذلك إن الذي سمع هناك هو الذي ألقي على لسان محمد فنهاني القوم عنه ولم يزدني في الأمر إلا بصيرة فقال ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم : فأخبرت أنه خرج من مكة إلى المدينة فركبت راحلتي (3) وانطلقت حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فأخبرته بما سمعت فقال : » سمعت والله الحق هو والله من كلام ربي الذي أنزل علي ولقد سمعت حقا يا أبا كلاب « فقلت : يا رسول الله ، علمني الإسلام فشهدني كلمة الإخلاص وقال : » سر إلى قومك فادعهم إلى مثل ما أدعوك إليه فإنه الحق «
__________
(1) سورة : الرحمن آية رقم : 33
(2) صبأ الرجل وصبا : ترك دين قومه ودان بآخر
(3) الراحلة : البَعيرُ القويّ على الأسفار والأحمال، ويَقَعُ على الذكر والأنثى
(1/41)
باب هواتف القبور
(1/42)
41 - حدثنا أحمد بن إبراهيم بن كثير العبدي ، حدثني محمد بن عيسى أبو عبد الله الوابشي ، قال : سمعت شيخا من الكوفيين اسمه محمد بن عبد الله ، قال : خرج عمر بن عبد العزيز في جنازة فلما دفنها قال لأصحابه : دعوني حتى آتي قبر الأحبة قال : « فأتاهم فجعل يدعو ويبكي إذ هتف به التراب فقال : يا عمر ، ألا تسألني ما فعلت بالأحبة ؟ قال : فما فعلت بهم ؟ قال : مزقت الأكفان وأكلت اللحم وشدخت المقلتين وأكلت الحدقتين (1) ونزعت الكفين من الساعدين والساعدين (2) من العضدين والعضدين من المنكبين والمنكبين من الصلب والقدمين من الساقين والساقين من الفخذين والفخذين من الورك والورك من الصلب (3) قال : وعمر يبكي فلما أراد أن ينهض قال له التراب : ألا أدلك على أكفان لا تبلى ؟ قال : وما هي ؟ قال : تقوى الله عز وجل والعمل الصالح »
__________
(1) الحدقة : سواد مستدير وسط العين
(2) الساعد : ما بين المرفق والكتف
(3) الصلب : الظهر
(1/43)
42 - حدثني أبو عبد الرحمن القرشي ، حدثني العلاء بن أبي الصهباء التيمي ، عن سوار بن مصعب الهمداني ، عن أبيه ، « أن أخوين كانا جارين وكان كل واحد منهما يجد بصاحبه وجدا (1) لم ير مثله فخرج الأكبر إلى أصفهان فقدم وقد مات الأصغر فاختلف إلى قبره سبعة أشهر فلما حضر أجله إذا هاتف هتف من خلفه : يا أيها الباكي على غيره نفسك أصلحها ولا تبكه إن الذي تبكي على إثره يوشك أن تسلك في سلكه فالتفت فلم ير خلفه أحدا فاقشعر وحم فهرع إلى أهله فلم يلبث (2) إلا ثلاثا حتى مات فدفن إلى جنبه فكانت كل واحدة من قوله يوشك يوما »
__________
(1) الوجد : الغضب ، والحزن والمساءة وأيضا : وَجَدْتُ بِفُلانَة وَجْداً، إذا أحْبَبْتها حُبّا شَديدا.
(2) اللبث : الإبطاء والتأخير والانتظار والإقامة
(1/44)
43 - حدثني سعيد بن يحيى القرشي ، قال : سمعت أبي يذكر عن شرقي بن قطامي ، قال : كان رجلان بينهما إخاء ومودة فتصارما فمات أحدهما في الصرم فدفن بالدوم فمر الباقي بقبر الميت فلم يعرج عليه ولم يسلم فهتف به هاتف من القبر أجدك تطوي الدوم ليلا ولا ترى عليك لأهل الدوم أن تتكلما وبالدوم ثاو لو ثويت مكانه فمر بأهل الدوم عاج فسلما تجدد صرما (1) أنت كنت بدأته ولا أنا فيه كنت أسوا وأظلما
__________
(1) الصرم : الهجر
(1/45)
44 - حدثني الحسن بن سليمان ، حدثنا روح بن عبد المؤمن المقرئ ، حدثني إبراهيم بن عبد الله النميري ، عن بقية الزهراني ، قال : سمعت ثابتا البناني قال : « بينا أنا أمشي في المقابر إذا بهاتف يهتف من ورائي يقول : يا ثابت لا يغرنك (1) سكونها فكم من مغموم فيها ، قال : فالتفت فلم أر أحدا »
__________
(1) غره : خدعه
(1/46)
45 - حدثني سلمة بن شبيب ، حدثنا سهل بن عاصم ، حدثنا وداع بن مرجى بن وداع ، قال : سمعت بشر بن منصور يقول : قال لي عطاء الأزرق : « إذا حضرت المقابر فليكن قلبك فيما أنت بين ظهرانيه (1) ، فإني بينما أنا نائم ذات ليلة في المقابر إذ تفكرت في شيء ، فإذا أنا بصوت يقول : إليك يا غافل إنما أنت بين ناعم في نعيمه مدلل ، أو معذب في سكراته يتقلب »
__________
(1) بين ظهرانيه : بينهم
(1/47)
46 - حدثني محمد بن الحسين ، حدثنا حكيم بن جعفر ، قال : سمعت صالحا المري ، يقول : « دخلت المقابر يوما في شدة الحر فنظرت إلى القبور خامدة كأنهم قوم صموت فقلت : سبحان من يجمع بين أرواحكم وأجسادكم بعد افتراقها ثم يحييكم وينشركم من بعد طول البلى قال : فناداني مناد من بين تلك الحفر : يا صالح ( ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون (1) ) قال : فسقطت والله لوجهي جزعا (2) من ذلك الصوت »
__________
(1) سورة : الروم آية رقم : 25
(2) الجزع : الخوف والفزع وعدم الصبر والحزن
(1/48)
47 - حدثني محمد بن الحسين ، حدثنا داود بن المحبر ، حدثنا ليث بن سعيد بن هاشم ، عن أبيه ، قال : « أعرس رجل من الحي لابنه فاتخذ لذلك لهوا وكانت منازلهم إلى جانب المقابر قال : فوالله إنهم لفي لهوهم ذلك إذ سمعوا صوتا منكرا أفزعهم قال : فأصغوا مطرقين فإذا هاتف من بين القبور يقول : يا أهل لذات لهو لا تدوم لهم إن المنايا تبيد اللهو واللعبا كم قد رأيناه مسرورا بلذته أمسى فريدا من الأهلين مغتربا قال : فوالله إن لبثت بعد ذلك إلا أياما حتى مات الفتى المتزوج »
(1/49)
48 - حدثنا أبو الحسن البصري ، حدثني رباح شيخ كان ينزل بالعدوية ، عن جار له قال : « مررت بالمقابر فترحمت عليهم فهتف هاتف : نعم فترحم عليهم ؛ فإن فيهم المهموم والمحزون »
(1/50)
49 - حدثني أبو الحسن البصري ، حدثني سعيد بن حسان ، قال : بينا ركب في فلاة (1) من الأرض في ليلة ظلماء ووراءهم تحيط المقابر إذا هاتف يقول لهم : أيها الركب المخبون وعلى الأرض مجدون فكما أنتم كنا وكما نحن تكونون
__________
(1) الفلاة : الصحراء والأرض الواسعة التي لا ماء فيها
(1/51)
50 - حدثني محمد بن يحيى المروزي ، عن محمد بن إسماعيل الجعفري ، عن عمه موسى بن جعفر بن إبراهيم ، قال : « سمع ليلة مات علي بن عبد الله بن جعفر في جانب بيته شهيق كشهيق المرأة الحسنة الصوت وهو يقول : لقد فارق الدنيا علي فأعولي بني هاشم إن كان ينفعك الحزن لقد مات خير الناس إلا محمدا ربيع اليتامى والصحيح من الإبن »
(1/52)
51 - حدثني القاسم بن الهاشم بن سعيد ، حدثنا أبو اليمان ، حدثنا صفوان بن عمرو ، عن سليمان بن يسار الحضرمي ، قال : كان ناس يسيرون ليلا عند باب الشرق مما يلي المقابر فسمعوا صوتا من قبر يقول : يا أيها الركب سيروا من قبل أن لا تسيروا فكما كنتم كنا فغيرنا ريب المنون وسوف كما كنا تكونون
(1/53)
52 - حدثني عمار بن نصر أبو ياسر المروزي ، حدثنا بقية بن الوليد ، حدثنا صفوان ، عن عبد الرحمن بن جبير ، عن يزيد بن شريح ، أنه سمع صوت من قبل المقابر « إن ترون اليوم أمثالنا بعدها أمثالكم وكنا أقرانا في الحياة كشكلكم فتلك البيداء تسفي رياحها ونحن في مقصورة لا ننالكم فمن يك منا فليس براجع فتلك ديارنا وهي مصيركم »
(1/54)
53 - حدثني الحسن بن عبد العزيز الجروي ، حدثني سحيم بن ميمون ، وكان من جلساء الليث بن سعد قال : « كان رجل نائما في مقبرة فسمع هاتفا يقول أنعم الله بالخليلين عينا وبمسراك يا أميم إلينا فأجابه مجيب فقال : وما ينفعها وأبوها ساخط عليها فلما أصبح الرجل إذا بقبر يحفر ورجل هناك فسأل عن القبر وأخبره بما سمع فقال : هذان قبرا ابني وهذه الميتة أمهما وقد كنت ساخطا (1) عليها أما لأقرن أعينهما بالرضا عنها قال : فرضي عنها وولي أمرها حتى واراها (2) »
__________
(1) السخط : الغضب أو كراهية الشيء وعدم الرضا به
(2) وارى : ستر وأخفى وغيب وغطى
(1/55)
54 - حدثني سعيد بن يحيى الأموي ، قال : سمعت أبي يذكر عن أبي بكر بن عياش ، عن حفار ، كان في بني أسد قال : فمررت بالحفار فحدثني كما حدثني أبو بكر ، عنه قال : « كنت أنا وشريك نتحارس مقبوري أسد ليلا في المقابر إذ سمعت قائلا يقول : قبر من يا عبد الله ؟ قال : ما لك يا جابر ؟ قال : غدا تأتينا أمنا قال : وما تنفعنا لا تصل إلينا إن أبي قد غضب عليها وحلف أن لا يصلي عليها قال : فجعلا يكرران ذلك مرارا فجئت لشريكي فجعل يسمع الصوت ولا يفهم الكلام فلقنته إياه ثم يفهم بفهمه فلما كان من غد جاءني رجل فقال : احفر لي هاهنا قبرا بين القبرين اللذين سمعت منهما الكلام فقلت : اسم هذا جابر واسم هذا عبد الله ؟ فقال : نعم فأخبرته بما سمعت فقال : نعم قد كنت حلفت أن لا أصلي عليها ولا جرم لأكفرن عن يميني ولأصلين عليها ولأترحمن عليها قال : ثم مر بي بعد ذلك على عكاز ومعه إداوة فقال : إني أريد الحفر لمكان عيني تلك »
(1/56)
55 - حدثني محمد بن المثنى العنزي ، قال : وجدت في كتاب جدي علي بن طارق بن زيد الجعفي ، حدثنا الثمالي « أن رجلا خرج يتنزه فإذا هو بصوت من قبر ينادي هذا أبونا قد أتانا زائرا أحبب به زورا إلينا باكرا وخير ميت ضمن المقابرا جد إلينا عتبة مثابرا قد وحد الله زمانا صابرا عوض من توحيده أساورا في جنة الفردوس نزلا فاخرا قال : فقلت : لا أبرح (1) اليوم حتى أعلم ما هذا الصوت الذي سمعت وعن الميت فجيء بجنازة رجل فسألتهم عنه فقيل : هذا رجل من الأنصار من بني سلمة وهذا ابنه عتبة وهذه ابنته عبيدة فدفنوه بينهما ثم انصرفوا »
__________
(1) برح المكان : زال عنه وغادره
(1/57)
56 - وحدثني محمد بن المثنى ، قال : ومن كتاب جدي ، حدثنا الكلبي ، « أن رجلا مات بالمدينة فوله أبوه ولها شديدا ، وأن أباه أري في منامه أن ائت قبر ابنك فودعه فخرج يمشي حتى أتى قبره وهو رجل يقول الشعر فألقي على لسانه أن قال : يا صاحب القبر الذي قد استوى هيجت لي حزنا على طول البلى حزنا طويلا يتأتى ما انقضى من غصص الموت وغم قد برى وضغطة القبر التي فيها الأذى ثم إن الرجل انصرف فنودي من خلفه : اسمع أحدثك بأمر قد أتى بخبر أوضح من ضوء الضحى عن غصص الموت وهم قد جلا وفرج أتاه من بعد الرضا للقول بالتوحيد فيما قد خلا أثبت من ذاك جزيلا ووعى جنان فردوس رضي للفتى يدعو بها يانعها بما اشتهى ثم إن الصوت خمد وانصرف الرجل فما خطر له ابنه على باله حتى مات »
(1/58)
57 - حدثني إبراهيم بن عبد الله ، عن سعيد بن محمد الجرمي ، حدثنا أبو تميلة ، حدثنا زيد بن عمر التيمي ، حدثنا مجالد بن سعيد ، عن الشعبي ، قال : كان صفوان بن أمية ، في بعض المقابر فإذا أنوار قد أقبلت ومعها جنازة فلما دنوا من المقبرة قال : انظروا قبر كذا وكذا قال : فسمع رجل صوتا من القبر حزينا موجعا يقول : أنعم الله بالظعينة عينا وبمسراك يا أمين إلينا جزعا ما جزعت من ظلمة القبـ ـر ومن مسك التراب أمينا قال : فأخبر القوم بما سمع فبكوا حتى أخضلوا (1) لحاهم ثم قال : هل تدري من أمينة ؟ قلت : لا ، قال : صاحبة السرير وهذه أختها ماتت عام أول فقال صفوان : قد علمنا أن الميت لا يتكلم فمن أين هذا الصوت ؟
__________
(1) أخضل : بلَّلَ بالدمع
(1/59)
58 - حدثني محمد بن الحسين ، حدثنا عبيد بن إسحاق الضبي حدثنا عاصم بن محمد العمري ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، قال : « بينا عمر بن الخطاب يعرض للناس إذ مر به رجل معه ابن له على عاتقه (1) فقال عمر » ما رأيت غرابا أشبه بغراب من هذا بهذا فقال الرجل : أما والله يا أمير المؤمنين لقد ولدته أمه وهي ميتة قال : ويحك وكيف ذلك ؟ قال : خرجت في بعث كذا وكذا وتركتها حاملا به فقلت : أستودع الله ما في بطنك فلما قدمت من سفري أخبرت أنها قد ماتت فبينما ، أنا ذات ليلة قاعد في البقيع مع بني عم لي إذ نظرت فإذا ضوء شبه السراج في المقابر فقلت لبني عمي : ما هذا ؟ فقالوا : ما ندري غير أنا نرى هذا الضوء كل ليلة عند قبر فلانة فأخذت معي فأسا ثم انطلقت نحو القبر فإذا القبر مفتوح وإذا هو بحجر أمه فدنوت فناداني مناد أيها المستودع ربه خذ وديعتك أما لو استودعته أمه لوجدتها ، قال : فأخذت الصبي وانضم القبر « قال : محمد بن الحسين : فسألت عثمان بن زفر عن هذا الحديث فقال : سمعته من عاصم بن محمد
__________
(1) العاتق : ما بين المنكب والعنق
(1/60)
باب هواتف الدعاء
(1/61)
59 - حدثني عبيد الله بن جرير العتكي ، حدثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل ، حدثنا همام ، عن الحجاج بن فرافصة ، قال : ، حدثني رجل من أهل فدك ، عن حذيفة ، قال : « بينما أنا أصلي إذ سمعت متكلما يقول : اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله علانيته وسره أهل الحمد أنت وعلى كل شيء قدير ، اللهم اغفر لي جميع ما مضى من ذنوبي واعصمني (1) فيما بقي من عمري وارزقني عملا يرضيك عني إنك على كل شيء قدير ، فقلت للنبي صلى الله عليه وسلم : بينما أنا أصلي إذ سمعت متكلما يقول كذا وكذا فنظرت فلم أر أحدا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : » ذاك ملك أتاك يعلمك تحميد ربك «
__________
(1) عصم : حمى ومنع وحفظ
(1/62)
60 - حدثنا عبيد الله بن جرير ، حدثنا عمرو بن كنيز أبو حفص ، حدثني يحيى بن حماد الهباري ، عن رجل ، عن الرجل الذي « أخذ وكان الحجاج بن يوسف قد طلبه فأتي به الحجاج عشية (1) فأمر به فقيد بقيود كثيرة وأمر الحرس فأدخل في ثلاثة أبيات وأقفلت عليه وقال : إذا كان غدوة (2) فأتوني به قال : فبينا أنا مكب على وجهي إذ سمعت مناديا ينادي في الزاوية : يا فلان ، قلت : من هذا ؟ قال : ادع بهذا الدعاء قلت : بأي شيء أدعو ؟ قال : قل : يا من لا يعلم كيف هو إلا هو ، يا من لا يعلم قدرته إلا هو فرج عني ما أنا فيه ، قال : فوالله ما فرغت منها حتى تساقطت القيود من رجلي ونظرت إلى الأبواب مفتحة فخرجت إلى صحن الدار فإذا الباب الكبير مفتوح وإذا الحرس نيام ، عن يميني وعن شمالي فخرجت حتى كنت بأقصى واسط فلبثت (3) في مسجدها حتى أصبحت »
__________
(1) العشي : ما بين زوال الشمس إلى وقت غروبها
(2) الغُدْوة : البُكْرة وهي أول النهار
(3) اللبث : الإبطاء والتأخير والانتظار والإقامة
(1/63)
61 - حدثنا أبو إسحاق يعقوب بن يوسف ، مولى بني أسد ، حدثنا مالك بن إسماعيل ، حدثنا صالح بن أبي الأسود ، عن محفوظ بن عبد الله ، عن شيخ من حضرموت ، عن محمد بن يحيى ، قال : قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه « بينا أنا أطوف بالبيت إذ برجل متعلق بأستار الكعبة وهو يقول : يا من لا يشغله سمع عن سمع يا من لا يغلطه السائلون يا من لا يتبرم بإلحاح الملحين أذقني برد عفوك وحلاوة رحمتك ، قال : قلت : دعاؤك هذا عافاك الله ؟ قال لي : وقد سمعته ؟ قلت : نعم قال : فادع به في دبر كل صلاة فوالذي نفس الخضر بيده لو أن عليك من الذنوب عدد نجوم السماء وحصى الأرض لغفر الله عز وجل لك أسرع من طرفة عين »
(1/64)
62 - حدثني أبو ثابت مشرف بن أبان ، حدثنا محمد بن الحسن الهمداني ، عن عبيد الله الجزري ، قال : « ألح رجل ذات ليلة على الدعاء فهتف به هاتف : يا هذا قل : يا سامع كل صوت ، يا بارئ النفوس بعد الموت ، ويا من لا تغشاه الظلمات ، ويا من لا تشتت عليه الأصوات ، ويا من لا يشغله صوت عن صوت ، قال : فما دعوت الله عز وجل بهذا الدعاء إلا استجاب لي »
(1/65)
63 - حدثني الحسن بن أبي مريم ، عن شعبة بن أبي الروحاء الحمال ، قال : « خرجت من الكوفة وأنا أريد المغيثة في نحو من ستين سنة قال : وكان الطريق إذ ذاك مخوفا فأتيت العذيب فقال أهله : أين تريد ؟ قلت : المغيثة قالوا : إنه لم يمر بنا منذ ثلاثة أيام أحد يذهب ولا يجيء ، وإنا نخاف عليك ، فهذا الليل قد أقبل ، قال : قلت : لا ، لا أجد بدا من المضي قال : فخرجت من العذيب قال : وذلك عند المغرب فسرت أميالا قال : وجاء علي الليل وأنا على قعود (1) لي ، فبينا أنا كذلك إذا أنا بشخص يريدني ، فاستوحشت منه ثم دنوت فسمعته يقرأ القرآن ، قال : فسلمت فرد علي وقال : ما يحملك على التوحد ؟ قلت : طلب الخير قال : إن طلبت الخير فخير . قال : من أنت رحمك الله ؟ قال : أقبلت من المصيصة وأنا أريد البصرة ثم هذا وجهي من البصرة ، ثم قال لي : أراك ذعرت (2) قال : قلت : أجل قال : أفلا أدلك على سر إذا أنت قلته أنست إذا استوحشت ، واهتديت به إذا ضللت ، ونمت إذا أرقت (3) ؟ قال : إي فعلمني رحمك الله . قال : قل : بسم الله ذي الشأن ، عظيم البرهان شديد السلطان ، كل يوم هو في شأن لا حول ولا قوة إلا بالله ، فلم يزل يرددهن حتى حفظتهن قال : ثم عدل شيئا عن الطريق كأنه يبول أو يقضي حاجة وتفاج تفاج الجمل فبال ، فذهبت أنظر فلم أر شيئا ، قال : فاستوحشت وحشة شديدة بعد ما كنت قد أنست به ، قال : ثم ذكرت الكلمات فقلتهن قال : فأنست قليلا ورجعت إلي نفسي »
__________
(1) القعود : القوي والفتي من الإبل إلى أن يصير في السنة السادسة
(2) الذعر : الفزع والخوف الشديد
(3) الأرق : السهر وامتناع النوم
(1/66)
64 - حدثني أبو عبد الله محمد بن خلف بن صالح التيمي ، وكان عابدا قال : قال بكر العابد ، « حججت فلما صرت إلى خراب المدينة إذا بشخص شيخ حسن الهيئة طيب الريح شديد بياض الثياب فلما دنوت منه قال لي : يا بكر قل : قلت : ما أقول ؟ قال : قل : يا عظيم العفو يا واسع المغفرة يا قريب الرحمة يا ذا الجلال والإكرام اجعلنا من أهل العافية في الدنيا والآخرة ، ثم لم أره »
(1/67)
65 - حدثني أبو عبد الله التيمي ، حدثني شريح ، حدثني جليس كان لبكر بن محمد قال : قال لي بكر : « دعوت الله عز وجل في ليلة جمعة فأكثرت وكنت أقول : اللهم ارزقني غدا إذا توجهت إلى المسجد الجامع رجلا أنتفع بصحبته فخرجت أريد المسجد فلم يصحبني أحد حتى إذا صرت إلى الجدارين إذا شيخ ما أدري كيف أصف حسن وجهه أو حسن بياضه أو طيب ريحه ؟ فدنوت (1) منه فقلت : يا هذا أي شيء خير ؟ فتبسم في وجهي وقال : طوبى (2) لمن طال عمره وحسن عمله ثم مر يماشيني ما أكلمه ولا يكلمني فلما صرنا في رحبة (3) المسجد والناس مزدحمون على أبواب المسجد قال بيده فأدارني فقال : اعلم أن الله قد أحاط بكل شيء علما . قال : ثم لم أره »
__________
(1) الدنو : الاقتراب
(2) طوبى : اسم الجنة ، وقيل هي شجرة فيها
(3) الرحبة : الساحة
(1/68)
66 - حدثني أبو عبد الله التيمي ، حدثني شريح ، قال : سمعت يحيى بن بليق الجمال وهو مولى لبني وديعة بن عبد الله بن لؤي قال : « كنا بطريق مكة فأصابنا عطش شديد قال : فاكترينا دليلا يخرج بنا إلى موضع ذكر لنا أن فيه ماء فبينا نحن نسير نبادر الماء بعد طلوع الفجر إذا صوت نسمعه وهو يقول : ألا تقولون ؟ قال يحيى : فأجبته فقلت : وما نقول : فقال : اللهم ما أصبح بنا من نعمة وعافية أو كرامة في دين أو دنيا جرت علينا فيما مضى أو هي جارية علينا فيما بقي فإنها منك وحدك لا شريك لك ولك الحمد علينا ولك المن ولك الفضل ولك الحمد عدد ما أنعمت به علينا وعلى جميع خلقك من لدنك إلى منتهى علمك لا إله إلا أنت ، ثم قال : هذا من البدء إلى البقاء »
(1/69)
67 - حدثني إسماعيل بن إبراهيم ، حدثني صالح المري ، عن عبد العزيز بن أبي رواد ، « أنه كان خلف المقام جالسا فسمع داعيا ، دعا بأربع كلمات فعجب منهن وحفظهن قال : فالتفت فلم أر أحدا وهو يقول : اللهم فرغني لما خلقتني له ولا تشغلني بما تكفلت لي به ولا تحرمني وأنا أسألك ولا تعذبني وأنا أستغفرك »
(1/70)
68 - حدثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثنا بشر بن مبشر العتكي ، عن حماد بن سلمة ، عن ثابت ، قال : « كنت عند سرادق (1) مصعب بن الزبير في موته لا تمر به الدواب فاستفتحت ( حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير (2) ) فمر شيخ على بغلة (3) فقال : يا غافر الذنب اغفر لي ذنبي فلما قلت : ( وقابل التوب (4) ) قال : قل : يا قابل التوب اقبل توبتي فلما قلت ( شديد العقاب (5) ) قال : قل : يا شديد العقاب اعف عني فلما قلت : ( ذي الطول ) قال : قل : يا ذا الطول طل علي بخير قال : فنظرت يمينا وشمالا فلم أر أحدا »
__________
(1) السرادق : كل ما أحاط بشيء من حائط أو مضرب أو خباء
(2) سورة : غافر آية رقم : 1
(3) البغلة : المتولدة من بين الحمار والفرس ، وهي عقيمة
(4) سورة : غافر آية رقم : 3
(5) سورة : البقرة آية رقم : 196
(1/71)
69 - حدثني أبو الخطاب زياد بن يحيى ، حدثني عبد الله بن بكر السهمي ، حدثني رجاء بن سفيان ، قال : « كان رجل على عهد عبد الملك بن مروان أخافه عبد الملك فجعل يسيح في البلاد ولا يؤويه (1) أحد فبينا هو في سياحة إذا هو برجل في حفرة أو في واد يصلي فلما رآه يطيل الصلاة استأنس به فجاء حتى قام خلفه فصلى ركعتين ثم قعد وصلى الآخر ثم أقبل عليه فقال : يا عبد الله من أنت أو ما أنت ؟ قال : أنا رجل من هؤلاء الناس وقد أخافني الخليفة وطردني فليس أحد يؤويني وأنا شيخ كما ترى قال : فأين أنت من السبع ؟ قال : أي سبع رحمك الله ؟ قال : أن تقول : سبحان الواحد الأحد الذي ليس غيره إله سبحان الدائم الذي لا نفاد له سبحان القديم الذي لا بدء له سبحان الله يحيي ويميت سبحان الله كل يوم هو في شأن سبحان الله خلق ما يرى وما لا يرى سبحان الذي علم كل شيء من غير تعليم ، اللهم إني أسألك بحق هذه الكلمات وحرمتهن أن تعطيني كذا وكذا قال : فأعادهن علي حتى حفظتهن قال : ففقد صاحبه مكانه وألقى الأمن في قلبه فخرج وهو كذلك حتى وصل إلى عبد الملك فاستأذن عليه فأذن له فلما رآه قال : أو قد تعلمت علي السحر أيضا قال : لا والله يا أمير المؤمنين ما تعلمت عليك سحرا ولكنه كان من شأني كذا وكذا فأخبره بالذي كان منه فأجازه وكساه »
__________
(1) أوى وآوى : ضم وانضم ، وجمع ، حمى ، ورجع ، ورَدَّ ، ولجأ ، واعتصم ، ووَارَى ، وأسكن ، ويستخدم كل من الفعلين لازما ومتعديا ويعطي كل منهما معنى الآخر
(1/72)
70 - حدثني بعض أصحابنا ، عن محمد بن مقاتل العباداني ، قال : قال هشيم « كنت يوما في منزلي فدخل علي رجل فقال : قل الحمد لله على كل نعمة وأستغفر الله من كل ذنب وأسأل الله من كل خير وأعوذ بالله من كل شر ، ثم خرج فطلب فلم يوجد فكنا نراه الخضر عليه السلام »
(1/73)
71 - حدثني هاشم بن القاسم ، حدثنا آدم بن أبي إياس ، حدثني أبو عمر الصنعاني ، حدثني الثقة ، أن عمر بن الخطاب كان جالسا في ظل الكعبة إذ سمع رجلا يدعو الله خمسا أو سبعا « يا من لا يشغله سمع عن سمع ولا تغلطه المسائل وإلحاح الملحين أذقني برد عفوك وحلاوة رحمتك » فقال عمر لأصحابه : « قوموا لعلنا نرحم بدعائه » فكلمه عمر وكلهم يرى أنه الخضر عليه السلام «
(1/74)
باب هواتف الجن
(1/75)
72 - حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي ، حدثنا موسى بن جعفر ، أخو إسماعيل بن جعفر ، عن عبد العزيز ، عن عبد الله بن أبي سلمة ، عن ربيعة بن عثمان بن ربيعة ، فيما أعلم قال : لما أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فخرج هو وأبو بكر من الغار لم تدر قريش بمخرجه حتى سمعوا متكلما ينشد أبياتا وهو لا يرى فاجتمع الناس على صوته من أعلى مكة حتى جاء أسفلها يقول : جزى الله رب الناس خير جزائه رفيقين قالا خيمتي أم معبد هما نزلا بالبر وارتحلا به فأفلح من أمسى رفيق محمد ليهن بني كعب مكان فتاتهم ومقعدها للمؤمنين بمرصد
(1/76)
73 - حدثني محمد بن عباد بن موسى العكلي ، حدثني محمد بن زياد بن زبار الكلبي ، حدثني أبو مصبح الأسدي ، حدثني علي بن صالح ، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي الجهم ، عن حذيفة بن غانم العدوي ، قال : خرج حاطب بن أبي بلتعة من حائط (1) له يقال له قران يريد النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالمسحاء التفت عليه عجاجتان ثم انجلتا عن حية لين الجوارن يعني الجلد فنزل ففحص له بسية (2) قوسه ثم واراه فلما كان الليل إذ هتف هاتف : يا أيها الراكب المزجي مطيته أربع عليك سلام الواحد الصمد واريت عمرا وقد ألقى كلاكله دون العشيرة كالضرغامة الأسد وأشجع خادر في الخيس منزله وفي الحياء من العذراء في الخرد فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال : « ذاك عمرو بن الحرماز وافد نصيبين لقيه محصن بن جوشن النصراني فقتله أما إني قد رأيتها يعني نصيبين فرفعها إلي جبريل عليه السلام فسألت الله عز وجل أن يعذب نهرها ويطيب ويكثر ثمرها »
__________
(1) الحائط : البستان أو الحديقة وحوله جدار
(2) سِيَةُ القَوْس : ما عُطِف وانحنى من طَرَفَيها
(1/77)
74 - حدثني أبي ، عن هشام بن محمد ، حدثنا عبد المجيد بن أبي عبس بن محمد بن أبي عيسى بن جبر ، عن أبيه ، عن جده ، قال : « سمعت قريش صائحا يصيح على أبي قبيس : فإن يسلم السعدان يصبح محمد بمكة لا يخشى خلاف مخالف فقال أبو سفيان وأشراف قريش : من السعود ؟ سعد بن بكر ، وسعد بن زيد مناة ، وسعد بن قضاعة فلما كان الليلة الثانية سمعوا صوته على أبي قبيس : أيا سعد سعد الأوس كن أنت ناصرا ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف أجيبا إلى داعي الهدى وتمنيا على الله في الفردوس منية عارف فإن ثواب الله للطالب الهدى جنان من الفردوس ذات رفارف قال : فقالوا : هذا سعد بن عبادة وسعد بن معاذ »
(1/78)
75 - وحدثني العباس بن هشام ، حدثني هشام بن محمد ، عن عبد المجيد بن أبي عبس ، قال : سمع بالمدينة ، في بعض الليل هاتف يقول : خير كهلين في بني الخزرج الغـ ـر بشير وسعد بن عباده المجيبان إذا دعا أحمد الخيـ ـر فنالتهما هناك السعاده ثم عاشا مهذبين جميعا ثم لقاهما المليك الشهاده
(1/79)
76 - حدثنا حاتم بن الليث الجوهري ، حدثني سليمان بن عبد العزيز الزهري ، حدثني أبي عبد العزيز بن عمران ، عن عمه محمد بن عبد العزيز ، عن أبيه ، عن عمر بن عبد الرحمن بن عوف ، عن عبد الرحمن بن عوف قال : لما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم هتف الجن على أبي قبيس وعلى الجبل الذي بالحجون الذي بأصله المقبرة وكانت تئد فيه قريش بناتها ، فقال الذي عليه : فأقسم لا أنثى من الناس أنجبت ولا ولدت أنثى من الناس واحده كما ولدت زهرية ذات مفخر مجنبة لؤم القبائل ماجده فقد ولدت خير القبائل أحمدا فأكرم بمولود وأكرم بوالده وقال الذي على أبي قبيس : يا ساكني البطحاء لا تغلطوا وميزوا الأمر بعقل مضي إن بني زهرة من سركم في غابر الدهر وعند البدي واحدة منكم فهاتوا لنا فيمن مضى في الناس أو من بقي واحدة من غيركم مثلها جنينها مثل النبي التقي
(1/80)
77 - حدثنا محمد بن صدران الأزدي ، حدثنا نوح بن قيس ، حدثنا قيس ، حدثنا نعمان بن سهل الحراني ، قال : « بعث عمر بن الخطاب رجلا إلى البادية فرأى ظبية (1) مصرورة (2) فطاردها حتى أخذها فإذا رجل من الجن يقول : يا صاحب الكنانة المكسوره خل سبيل الظبية المصروره فإنها لصبية مضروره غاب أبوهم غيبة مذكوره في كورة لا بوركت من كوره »
__________
(1) الظبية : الغزالة
(2) مصرورة : مجموعة منقبضة أطرافها وأصل الصر الجمع والشد
(1/81)
78 - وحدثني العباس بن هشام ، حدثني هشام بن محمد ، عن أيوب بن خوط ، عن حميد بن هلال ، أو غيره قال : « كنا نتحدث أن الظباء ماشية الجن فأقبل غلام ومعه قوس ونبل فاستتر بأرطاة وبين يديه قطيع من الظباء وهو يريد أن يرمي بعضه فهتف هاتف لا يرى : إن غلاما ثقف اليدين يسعى بكبد أو بلهذمين متخذ الأرطاة جنتين ليقتل التيس مع العنزين فلما سمعت الظباء ذلك تفرقت »
(1/82)
79 - حدثني العباس بن هشام ، حدثني هشام بن محمد ، حدثني ابن مسعر بن كدام ، عن أبيه ، قال : « » قتل رجل من بني عمرو بن عبد مناف بن هلال بن عامر مع علي بن أبى طالب يوم صفين فسمعوا نائحة وهي تقول : ألا فاسألوا العمرين عن صاحب الجمل فتى غير مسهام ولا خائف نكل يكر الركاب في المكاره كلها ويعلم أن الأمر منقطع الأمل
(1/83)
80 - حدثني محمد بن عباد بن موسى ، حدثنا عمي خليفة بن موسى ، حدثنا محمد بن ثابت البناني ، عن أبيه ، قال : قالت عائشة : « إذا سركم أن يحسن المجلس فأكثروا ذكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم قالت : والله إنا لوقوف بالمحصب إذ أقبل راكب حتى إذا كان قدر ما يسمع صوته قال : أبعد قتيل بالمدينة أشرقت له الأرض واهتز العضاة بأسوق جزى الله خيرا من إمام وباركت يد الله في ذاك الأديم (1) الممزق قضيت أمورا ثم غادرت بعدها بوائج في أكمامها لم تفتق وكنت نشرت العدل بالبر والتقى وحكم صليب الدين غير مزوق فمن يسع أو يركب جناحي نعامة ليدرك ما قدمت بالأمس يسبق أمين النبي حبه وصفيه (2) كساه المليك جبة (3) لم تمزق من الدين والإسلام والعدل والتقى وبابك عن كل الفواحش (4) مغلق ترى الفقراء حوله في مفازة شباعا رواء ليلهم لم يؤرق قالت ثم انصرف فلم نر شيئا فقال الناس : هذا مزرد ثم أقبلنا حتى انتهينا إلى المدينة فوثب إليه أبو لؤلؤة الخبيث فقتله فوالله إنه لمسجى بيننا إذ سمعنا صوتا من جانب البيت لا ندري من أين يجيء : ليبك على الإسلام من كان باكيا فقد أوشكوا هلكى وما قدم العهد وأدبرت الدنيا وأدبر خيرها وقد ملها من كان يوقن بالوعد فلما ولي عثمان لقي مزردا فقال : أنت صاحب الأبيات ؟ قال : لا والله يا أمير المؤمنين ، ما قلتهن قال : فيرون أن بعض الجن رثاه »
__________
(1) الأديم : الجلد المدبوغ
(2) صفيه : الذي يُصَافِيه الودَّ ويُخْلصُه له
(3) الجبة : ثوب سابغ واسع الكمين مشقوق المقدم يلبس فوق الثياب
(4) الفواحش : جمع فاحشة ، وهي القبيح الشنيع من الأقوال والأفعال
(1/84)
81 - حدثني أبي ، عن هشام بن محمد ، أخبرني معروف بن خربوذ المكي ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة الكناني ، قال : أخبرني شيخ من أهل مكة ، عن الأعشى بن النباش بن زرارة التميمي ، حليف بني عبد الدار قال : « خرجت في نفر من قريش نريد الشام فنزلنا بواد يقال له وادي غول فعرسنا (1) به فاستيقظت في بعض الليل فإذا بقائل يقول : ألا هلك النساك غيث بني فهر وذو الباع والمجد التليد وذو الفخر فقلت في نفسي : والله لأجيبنه فقلت : ألا أيها الناعي أخا الجود والفخر من المرء تنعاه لنا من بني فهر فقال : نعيت ابن جدعان بن عمرو أخا الندى وذا الحسب القدموس والمنصب القهر فقلت : لعمري لقد نوهت بالسيد الذي له الفضل معروفا على ولد النضر فقال : مررت بنسوان يخمشن (2) أوجها صياحا عليه بين زمزم والحجر فقلت : متى إنما عهدي به مذ عروبة وتسعة أيام لغرة ذا الشهر فقال : ثوى منذ أيام ثلاث كوامل مع الليل أو في الليل أو وضح الفجر فاستيقظت الرفقة فقالوا : من تخاطب ؟ فقلت : هذا هاتف ينعي ابن جدعان فقالوا : والله لو بقي أحد بشرف أو عز أو كثرة مال لبقي عبد الله بن جدعان فقال ذلك الهاتف : أرى الأيام لا تبقي عزيزا لعزته ولا تبقي ذليلا قال : فقلت : ولا تبقي من الثقلين (3) شغرا ولا تبقي الحزون ولا السهولا قال : فنظرنا في تلك الليلة فرجعنا إلى مكة فوجدناه مات كما قال لنا »
__________
(1) التعريس : نزول المسافر آخر الليل من أجل النوم والاستراحة
(2) خمش : خدش
(3) الثقلان : الإنس والجن
(1/85)
82 - حدثنا أبو زيد النميري ، حدثني أبو غسان محمد بن يحيى الكناني ، حدثني بعض آل الزبير قال : لما قتل أهل الحرة هتف هاتف بمكة على أبي قبيس مساء تلك الليلة وابن الزبير جالس في الحجر يسمع ذلك : قتل الخيار بنو الخيا ر ذوو المهابة والسماح الصائمون القائمو ن القانتون أولو الصلاح المهتدون المتقو ن السابقون إلى الفلاح ماذا بواقم والبقيـ ـع من الجحاجحة الصباح وبقاع يثرب ويحهـ ـن من النوائح والصياح فقال ابن الزبير ، لأصحابه : « يا هؤلاء قد قتل أصحابكم فإنا لله وإنا إليه راجعون »
(1/86)
83 - حدثني يعقوب بن عبيد ، قال : مر رجل على باب دار خرب فنظر فإذا فيه لن يرحل الميت عن دار يحل بها حتى يرحل عنها صاحب الدار قال : فهتف به هاتف : الموت كأس وكل الناس شاربه شربا حثيثا (1) له ورد وإصدار لا تركنن إلى الدنيا وزينتها كل يزول فإن الموت مقدار
__________
(1) حثيثا : سريعا مُلِحًّا
(1/87)
84 - وحدثني 20157 يعقوب بن عبيد ، قال : مر رجل على باب قصر خرب عاد فنظر فإذا عليه مكتوب أتى الدهر منا على مطعم . . . . . . وكنا من الدهر في موعد فأجلى (1) لنا الدهر عما زعم وإذا هاتف يقول : يشيب الصغير ويفني الكبير ويبلي الشباب ويفني الهرم (2) فيوم رجاء ويوم بلاء ويوم يسار ويوم عدم
__________
(1) الإجلاء : الإخراج والمفارقة والنفي والطرد والاستبعاد
(2) الهَرِم : الذي بلغ أقصى الكِبَر
(1/88)
85 - حدثني العباس بن هشام بن محمد عن أبيه ، عن جده ، قال : سمعت أشياخ النخع ، يذكرون قالوا : لما أصيب النخع بالقادسية سمعوا نواح الجن في واد من أودية اليمن وهم يقولون : ألا فاسلمي يا عكرم ابنة خالد وما خير زاد بالقليل المصرد فحيتك عني الشمس عند طلوعها وحياك عني كل ركب مفرد وحيتك عني عصبة نخعية حسان الوجوه آمنوا بمحمد أقاموا لكسرى يضربون جنوده بكل رقيق الشفرتين (1) مهند إذا ثوب الداعي أقاموا بكلكل من الموت مغبر القساطل أسود قال : فجاءهم ما أصاب النخع يوم القادسية من القتل
__________
(1) الشفرة : السكين العريضة
(1/89)
86 - وحدثني العباس بن هشام ، حدثني هشام بن محمد عن أبيه ، عن محمد بن سعيد بن راشد ، مولى النخع ، عن رجل من أهل الطائف قال : لما أبطأ على عمر بن الخطاب خبر أبي عبيد بن مسعود وأصحابه وكانوا بقس الناطف اشتد همه وجعل يسأل عن خبرهم فقدم المدينة رجل من أهل الطائف فحدث في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا بواد من أودية الطائف يقال له سهر سمار فسمعوا نائحة يحسبون أنها بالقرب منهم وسمعوا نساء ينحن ويقلن : مت على الخيرات ميتة جلد وإذا ما صبرت يوم اللقاء قدس الله معركا شهدوه والملاء الأبرار خير ملاء معركا فيه ظلت الجن تبكي مبسمات الأبكار بيض الملاء كم كريم مجدل غادروه مؤمن القلب مستجاب الدعاء يقطع الليل لا ينام صلاة وجؤارا يمده ببكاء ثم يقلن : يا أبا عبيداه يا سليطاه ، قال الطائفي : فجعلنا نتبع الصوت ونسمع الأبيات وما يقلن بعدها ونحن منه في البعد على حال واحدة فقدم الطائفي على عمر فأخبره فكتب عمر اليوم الذي سمع فيه فوجدوا أبا عبيد وأصحابه قتلوا في ذلك اليوم سليط بن قيس الأنصاري كان على الناس هو وأبو عبيد
(1/90)
87 - حدثني الحسين بن عبد الرحمن ، حدثنا محمد بن أنس الأسدي ، قال : مر قوم بأبرق العزاف فسمعوا هاتفا يقول : وإن امرأ دنياه أكبر همه لمستمسك منها بحبل غرور
(1/91)
88 - حدثني 14350 محمد بن الحسين ، قال : بلغني أن سفيان الثوري كان نائما فهتف به هاتف : أخبر الناس : إن النفوس رهائن بكسوبها فاعمل فإن فكاكهن الدأب
(1/92)
89 - حدثني العباس بن هاشم ، حدثني هشام بن محمد ، عن جبلة بن مالك الغساني ، حدثني رجل من الحي قال : سمع رجل في الحي قائلا يقول على سور دمشق : ألا يالقومي للسفاهة والوهن وللعاجز الموهون والرأي ذي الأفن ولابن سعيد بينما هو قائم على قدميه خر للوجه والبطن رأى الحصن منجاة من الموت فالتجا إليه فزارته المنية في الحصن فأتى عبد الملك فأخبره فقال له : ويحك سمعها منك أحد ؟ قال : لا ، قال : ضعها تحت قدميك ثم طلب عمرو بن سعيد بعد ذلك فقتله عبد الملك
(1/93)
90 - حدثني عبد العزيز بن معاوية القرشي ، حدثنا أبو عمر الضرير ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن داود بن أبي هند ، عن سماك بن حرب ، عن جرير بن عبد الله ، قال : « إني لأسير بتستر في طريق من طرقها زمن فتحت إذ قلت : لا حول ولا قوة إلا بالله قال : فسمعني هربذ من أولئك الهرابذة فقال : ما سمعت هذا الكلام من أحد منذ سمعته من السماء قال : قلت : وكيف ذلك ؟ قال : إني كنت رجلا أفد على الملوك أفد على كسرى وقيصر فوفدت عاما كسرى فخلفني في أهلي شيطان تصور على صورتي فلما قدمت لم يهش إلي أهلي كما يهش أهل الغائب على غائبهم فقلت لهم : ما شأنكم ؟ فقالوا : إنك لم تغب قال : قلت : وكيف ذلك ؟ قال : فظهر لي فقال : اختر أن يكون لك منها يوم ولي يوم وإلا أهلكتك فاخترت أن يكون له يوم ولي يوم قال فأتاني يوما فقال : إنه ممن يسترق (1) السمع وإن استراق السمع بيننا نوب وإن نوبتي الليلة فهل لك أن تجيء معنا قلت : نعم فلما أمسى أتاني فحملني على ظهره فإذا له معرفة كمعرفة الخنزير فقال لي : استمسك فإنك ترى أمورا وأهوالا فلا تفارقني فتهلك قال : ثم عرجوا (2) حتى لصقوا بالسماء قال : فسمعت قائلا يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله ما شاء الله كان وما لم يشأ لا يكون ، قال : فلبج بهم فوقعوا من وراء الغمرات في غياض وشجر قال : وحفظت الكلمات فلما أن أصبحت أتيت أهلي فكان إذا جاء قلتهن فيضطرب حتى يخرج من كوة (3) البيت فلم أزل أقولهن حتى انقطع »
__________
(1) يسترق السمع : يسمع خفية
(2) عرج : صعد
(3) الكوة : الخرق في الحائط والثقب في البيت ونحوه
(1/94)
91 - حدثني عبيد الله بن جرير العتكي ، حدثنا الوليد بن هشام القحذمي ، قال : « كان عبيد بن الأبرص وأصحاب له في سفر فمروا بحية وهي تتقلب في الرمضاء (1) فهم بعضهم بقتلها فقال عبيد : هي إلى من يصب عليها نقطة من الماء أحوج قال : فنزل فصب عليها الماء قال : ثم إنهم مضوا فأصابهم ضلال شديد حتى ذهب عنهم الطريق قال : فبينا هم كذلك إذا هاتف يهتف بهم يقول : يا أيها الركب المضل مذهبه دونك هذا البكر منا فاركبه حتى إذا الليل تولى مغربه وسطع الفجر ولاح كوكبه فخل عنه رحله وسيبه قال : فسار به الليل حتى طلع الفجر مسيرة عشرة أيام بلياليهن فقال عبيد : يا أيها المرء قد أنجيت من غمر ومن فياف تضل الراكب الهادي هلا تخبرنا بالحق نعرفه من الذي جاد بالنعماء في الوادي ؟ فقال : أنا الشجاع الذي أبصرته رمضا في صحصح نازح يسري به صادي فجدت بالماء لما ضن (2) شاربه رويت منه ولم تبخل بإنجاد الخير يبقى وإن طال الزمان به والشر أخبث ما أوعيت من زاد »
__________
(1) الرمضاء : الرمل الذي اشتدت حرارته في الظهيرة
(2) الضن : البخل
(1/95)
92 - حدثني المغيرة بن محمد ، حدثني هارون بن موسى ، حدثني عبد الملك بن عبد العزيز ، وغيره ، قالوا : أخر الوليد بن عبد الملك صلاة العصر بمنى حتى صارت الشمس على رءوس الجبال كالغمام فسمع صائحا من الجبال صل لا صلى الله عليك صل لا صلى الله عليك
(1/96)
93 - حدثني الحسن بن علي ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زبريق ، حدثني ابن الحارث ، حدثني عبد الله بن سالم ، عن الزبيدي ، أخبرني محمد بن مسلم « أن عمر بن الخطاب قال يوما لمن حضر من جلسائه : اذكروا شيئا من حديث الجن فقال رجل : يا أمير المؤمنين ، خرجت وصاحبان لي نريد الشام فأصبنا ظبية (1) عضباء فأدركنا راكب من خلفنا وكنا أربعة فقال : خل سبيلها فقلت : لا لعمرك لا أخلي سبيلها قال : فوالله لربما رأيتنا في هذه الطريق ونحن أكثر من عشرة فيخطف بعضنا بعضا فأذهلني ما كان يا أمير المؤمنين حتى نزلنا ديرا يقال له دير العنين فارتحلنا وهي معنا فإذا هاتف يهتف يقول : يا أيها الركب السراع الأربعه خلوا سبيل النافر المروعه مهلا عن العضبا ففي الأرض سعه ولا أقول قول كذوب إمعه . قال : فخلينا سبيلها يا أمير المؤمنين فعرض لأزمة ركابنا فأميل بنا إلى حي عظيم فأميل علينا طعام وشراب ثم مضينا حتى أتينا الشام وقضينا حوائجنا ثم رجعنا حتى إذا كنا بالمكان الذي ميل بنا إليه إذا أرض قفر (2) ليس بها سفر فأيقنت يا أمير المؤمنين أنهم حي من الجن فأقبلت سائرا إلى الدير فإذا هاتف يهتف : إياك لا تعجل وخذها عن ثقه أسير سير الجد يوم الحقحقه قد لاح نجم واستوى بمشرقه ذو ذنب كالشعلة المحرقه يخرج من ظلماء عسر موبقه إني امرؤ أنباؤه مصدقه فأقبلت يا أمير المؤمنين فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قد ظهر ودعا إلى الإسلام فأسلمت ، قال رجل : وأنا يا أمير المؤمنين خرجت أنا وصاحب لي نريد حاجة لنا فإذا شخص راكب حتى إذا كان منا عن مزجر الكلب هتف بأعلى صوته : يا أحمد يا أحمد الله أعلى وأمجد محمد أتانا بملة توحد يدعو الملا لخير ثم إليه فاعمد فراعنا ذلك فأجابه صوت عن يساره : أنجز ما وعد من شق القمر الله أكبر النبي قد ظهر . فأقبلت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قد ظهر ودعا إلى الإسلام فأسلمت فقال عمر : أنا كنت عند ذبح لهم إذ هتف هاتف من جوفه يالذريح يالذريح صائح يصيح بأمر فليح ورشد نجيح يقول : لا إله إلا الله فأقبلت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم حين ظهر ودعا إلى الإسلام فأسلمت ، وقال خريم بن فاتك : وأنا أضللت إبلا لي فخرجت في طلبهن حتى كنت بأبرق العزاف فأنخت راحلتي ثم عقلتها ثم أنشأت أقول : أعوذ بسيد هذا الوادي أعوذ بعظيم هذا الوادي ثم وضعت رأسي على جملي فإذا هاتف من الليل يهتف ويقول : ألا فعذ بالله ذي الجلال ثم اقرأ آيات من الأنفال ووحد الله ولا تبال ما هول الجن من الأهوال فانتبهت فزعا فقلت : يا أيها الهاتف ما تقول أرشد عندك أم تضليل فأجابني : هذا رسول الله ذو الخيرات بيثرب يدعو إلى النجاة ويزع الناس عن الهنات يأمر بالصوم وبالصلاة فوقع قوله في قلبي فقمت إلى جملي فحللت عقاله ثم استويت عليه وقلت : فأرشدني رشدا هديتا لا جعت ما عشت ولا عريتا بين لي الرشد الذي أوتيتا فأجابني : صاحبك الله وسلم نفسكا وعظم الأجر وأد رحلكا آمن به أفلح ربي كعبكا وابذل له حتى الممات نصركا قال : فقلت : من أنت ؟ قال : أنا مالك بن مالك سيد أهل نجد أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فآمنت به وأسلمت على يديه وأرسلني إلى جن نجد أدعوهم إلى عبادة الله عز وجل وطاعته فالحق بهم يا خريم وآمن به فأما إبلك فقد كفيتها حتى تأتيك في أهلك قال : فانطلقت حتى أتيت المدينة وجئت يوم الجمعة فوافيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب على المنبر فقلت : أنيخ بباب المسجد فإذا صلى دخلت فأخبرته الخبر فلما أنخت راحلتي (3) إذا أبو ذر قد خرج لي فقال : يا خريم مرحبا بك النبي صلى الله عليه وسلم بعثني إليك وهو يقول : » مرحبا قد بلغني إسلامك ادخل فصل مع الناس « فدخلت فصليت مع الناس ثم أتيته فأخبرته الخبر فقال : » قد وفى لك صاحبك وقد بلغ لك الإبل (4) وهي بمنزلك «
__________
(1) الظبية : الغزالة
(2) القفر : الخلاء من الأرض لا ماء فيه ولا ناس ولا كلأ
(3) الراحلة : البَعيرُ القويّ على الأسفار والأحمال، ويَقَعُ على الذكر والأنثى
(4) الإبل : الجمال والنوق ليس له مفرد من لفظه
(1/97)
94 - حدثني أبو الحسن الشيباني ، حدثنا عصام بن طليق ، عن شيخ من أهل المدينة ، عن مجاهد ، عن ابن عمر « أن رجلا من بني تميم كان أجرأ شيء على الليل وأنه نزل بأرض مجنة فاستوحش فأناخ (1) راحلته (2) وعقلها وتوسدها وقال : أعوذ بعزيز هذا الوادي من شر أهله فأجاره (3) رجل منهم يقال له معيكر فتى منهم كان أبوه سيدهم ، فأخذ حربة (4) مسمومة ومشى بها إلى الناقة لينحرها فلقيه معيكر دونه فقال : يا مالك بن مهلهل لا تبتئس مهلا فدى لك محجري وإزاري عن ناقة الإنسي لا تعرض لها واختر إذا ورد المها أثواري ماذا أردت إلى امرئ قد أجرته وجعلته في ذمتي وقراري تسعى إليه بحربة مسمومة أف لقربك يا أبا العقار فأجابه الفتى : أأردت أن تعلو وتخفض ذكرنا في غير مرزأة أبا العيزار متنحلا شرفا لغيرك ذكره فارحل فإن المجد للمرار من كان منكم سيدا فيما مضى إن الخيار هم بنو الأخيار فاقصد لقصدك يا معيكر إنما كان المجير مهلهل بن أثار لولا الحياء وأن أهلك جيرة لتمزقنك بقوة أظفاري فقال : دعه لا أنازع بواحد بعده ففعل وقدم الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثه الحديث فقال : » إذا أصابت أحدكم وحشة بليل فليقل : أعوذ بكلمات الله التامات اللاتي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ذرأ في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن « فأنزل الله عز وجل ( وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا (5) ) أي إثما
__________
(1) أناخ البعير : أَبْرَكَه وأجلسه
(2) الراحلة : البَعيرُ القويّ على الأسفار والأحمال، ويَقَعُ على الذكر والأنثى
(3) أجار جوارا وإجارة : أخذ العهد والأمان لغيره، ومنه معاني الحماية والحفظ والضمان والمنع
(4) الحربة : أداة قتال أصغر من الرمح ولها نصل عريض
(5) سورة : الجن آية رقم : 6
(1/98)
95 - حدثني الفضل بن جعفر ، حدثنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار ، حدثني أبي ، حدثني عبد الله بن عبد العزيز الزهري ، حدثني أخي محمد بن عبد العزيز ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن أنس السلمي ، عن العباس بن مرداس أنه « كان في لقاح (1) له نصف النهار إذ طلعت عليه نعامة بيضاء عليها راكب عليه ثياب بيض فقال لي : يا عباس بن مرداس ألم تر أن السماء حفت أحراسها وأن الجن جرعت أنفاسها وأن الخيل وضعت أحلاسها وأن الذي نزل بالبر والتقوى يوم الاثنين ليلة الثلاثاء صاحب الناقة القصواء (2) قال : فخرجت مرعوبا قد راعني ما رأيت وسمعت حتى أتيت وثنا لنا يقال له الضمار كنا نعبده ونكلم من جوفه فكنست ما حوله ثم تمسحت به فإذا صائح يصيح من جوفه : قل للقبائل من سليم كلها هلك الضمار وفاز أهل المسجد هلك الضمار وكان يعبد مدة قبل الصلاة على النبي محمد إن الذي جا بالنبوة والهدى بعد ابن مريم من قريش مهتد قال : فخرجت مذعورا (3) حتى جئت قومي فقصصت عليهم القصة وأخبرتهم الخبر فخرجت في ثلاث مائة من قومي من بني الحارث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فدخلنا المسجد فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم تبسم وقال : يا عباس ، كيف إسلامك ؟ فقصصت عليه فقال : » صدقت « فأسلمت أنا وقومي »
__________
(1) اللقحة : الناقة ذات اللبن
(2) القصواء : الناقة المقطوعة الأذن ، وكان ذلك لقبًا لناقة النبي ، ولم تكن مقطوعة الأذن
(3) الذعر : الفزع والخوف الشديد
(1/99)
96 - حدثني أبي ، عن هشام بن محمد ، حدثنا مالك بن نصر الدالاني ، من همدان قال : سمعت شيخا لنا يذكر قال : « خرج مالك بن خريم الدالاني في نفر من قومه في الجاهلية يريدون عكاظا فاصطادوا صيدا وأصابهم عطش شديد فانتهوا إلى موضع يقال له أجيرة ففصدوا الظبي وجعلوا يشربون من دمه من العطش فلما ذهب دمه ذبحوه وخرجوا في طلب الحطب وكمن مالك في خبائه (1) فأثار بعضهم شجاعا (2) فأقبل منسابا حتى دخل رحل (3) مالك فلاذ به وأقبل الرجل في أثره فقال : يا مالك اقتل الشجاع عنك ، فاستيقظ مالك فنظر إليه فلاذ به فقال مالك للرجل : عزمت عليك إلا تركته ، فكف عنه وانساب الشجاع إلى مأمنه وأنشأ مالك يقول : وأوصاني الخريم بعز جاري وأمنعه وليس به امتناع وأدفع ضيمه وأذب عنه وأمنعه إذا امتنع المتاع فذلكم أبي عنه بنجو لشيء ما استجارني الشجاع ولا تنحو إلى دم مستجير تضمنه أجيرة فالتلاع فإن لما ترون غبي أمر له من دون أعينكم قناع فارتحلوا واشتد بهم العطش فإذا هاتف يهتف بهم : يا أيها القوم لا ماء أمامكم حتى تسوموا المطايا (4) يومها التعبا ثم اعدلوا شامة فالماء عن كثب عين رواء وماء يذهب اللغبا حتى إذا ما أصبتم منه ريكم فاسقوا المطايا ومنه فاملئوا القربا فعدلوا شامة فإذا هم بعين خرارة في أصل جبل فشربوا وسقوا إبلهم وحملوا ريهم حتى أتوا عكاظا ثم أقبلوا حتى انتهوا إلى ذلك الموضع فلم يروا شيئا فإذا هاتف يقول : يا مال عني جزاك الله صالحة هذا وداع لكم مني وتسليم لا تزهدن في اصطناع العرف مع أحد إن الذي يحرم المعروف محروم من يفعل الخير لا يعدم مغبته ما عاش والكفر بعد الغدر مذموم أنا الشجاع الذي أنجيت من رهق شكرت ذلك إن الشكر مقسوم فطلبوا العين فلم يجدوها »
__________
(1) الخباء : الخيمة
(2) الشُّجاع بالضم والكسر : الحيةُ الذكر
(3) الرحال : المنازل سواء كانت من حجر أو خشب أو شعر أو صوف أو وبر أو غير ذلك
(4) المطايا : جمع مطية وهي الدابة التي يركب مطاها أي ظهرها ، أو هي التي تمط في سيرها أي تمدُّ
(1/100)
97 - وحدثني أبي ، عن هشام بن محمد ، أنبأنا فروة بن سعيد بن عفيف بن معدي كرب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل إليه وفد من اليمن فقالوا : أنجانا الله عز وجل ببيتين من الشعر لامرئ القيس قال : « وكيف ذلك ؟ » قالوا : أقبلنا نريدك حتى إذا كنا ببعض الطريق أخطأنا الماء فمكثنا ثلاثا لا نقدر عليه فلما جهدنا تفرقنا إلى أصول طلح وسمر ليموت كل رجل منا في ظل شجرة فبينا نحن بآخر رمق (1) إذا راكب مقبل على بعير (2) متلثم بعمامة فلما رآه بعضنا أنشأ يقول : ولما رأت أن الشريعة همها وأن البياض من فرائصها (3) دامي تيممت العين التي عند ضارج يفيء عليها الظل عرمضها طامي فقال الراكب : من يقول هذا الشعر ؟ وقد رأى ما بنا من الجهد فقلنا : امرؤ القيس فقال : والله ما كذب امرؤ القيس وإن هذا الضارج عندكم فنظرنا فإذا بيننا وبينه نحو من خمسين ذراعا فحبونا إليه على الركب فإذا هو كما وصف على العرمض يفيء (4) عليه الظل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ذاك رجل مذكور في الدنيا منسي في الآخرة ، شريف في الدنيا خامل في الآخرة ، يجيء يوم القيامة معه لواء (5) الشعراء يقودهم إلى النار »
__________
(1) الرمق : بقية الروح وآخر النفس
(2) البعير : ما صلح للركوب والحمل من الإبل ، وذلك إذا استكمل أربع سنوات ، ويقال للجمل والناقة
(3) الفَرِيصة : اللحم الذي بين الكتف والصدر ترتعد عند الفزع
(4) يفيء : يتحرك الظل ويميل بعد زوال الشمس
(5) اللواء : العَلَم وهو دون الراية
(1/101)
98 - حدثني إبراهيم بن سعيد الجوهري ، حدثنا أبو أحمد الزبيري ، حدثني قطري ، عن ذكوان يعني أبا عمرو مولى عائشة قال : « خرجت في الركب الذين خرجوا إلى محمد بن علي فبينا نحن نسير إذ عرض لنا عارض فأنشأ يرتجز (1) بالآخر كلمة على كلمة ليلة جمعة : يا أيها الركب إلى المهدي على عناجيج من المطي (2) أعناقها كخشب الخطي لتنصروا عاقبة النبي محمدا رأس بني علي سميه وأيما سمي فأصبحنا فالتمسناه فلم نر شيئا »
__________
(1) الرجز : إنشاد الشعر وهو بحر من بحوره عند العروضيين
(2) المطي : جمع مطية وهي الدابة التي يركب مطاها أي ظهرها ، أو هي التي تمط في سيرها أي تمدُّ
(1/102)
99 - حدثني محمد بن العباس ، حدثنا مطهر بن النعمان ، عن محمد بن جبير ، أن عمر بن الخطاب ، مر ببقيع الغرقد فقال : « السلام عليكم يا أهل القبور أخبار ما عندنا أن نساءكم قد تزوجن ودوركم قد سكنت وأموالكم قد فرقت » فأجابه هاتف : يا عمر بن الخطاب أخبار ما عندنا أن ما قدمناه فقد وجدناه وما أنفقناه فقد ربحناه وما خلفناه فقد خسرناه
(1/103)
100 - حدثني محمد بن صالح القرشي ، حدثني أبو سلمة محمد بن عبد الله الأنصاري ، وكان قد رأى الحسن ، حدثنا مالك بن دينار ، عن أنس بن مالك قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خارجا من جبال مكة إذ أقبل شيخ متوكئا (1) على عكاز له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « مشية جني ونغمته » قال : أجل قال : « من أي الجن أنت ؟ » قال : أنا هامة بن الهيم بن لاقيص بن إبليس قال : « لا أرى بينك وبينه إلا أبوين » قال : أجل قال : كم أتى عليك ؟ قال : أكلت عمر الدنيا إلا أقلها كنت ليالي قبل قابيل وهابيل غلاما ابن أعوام أمشي بين الآكام وأصطاد الهام (2) وآمر بفساد الطعام وأورش بين الناس وأغري بينهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « بئس عمل الشيخ المتوسم والفتى المتلوم » فقال : دعني من اللوم والعذل قد جرت توبتي على يد نوح فكنت معه فيمن آمن معه من المسلمين فعاتبته في دعائه على قومه فبكى وأبكاني فقال : لا جرم أني من النادمين وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ، ولقيت هودا فعاتبته في دعائه على قومه فبكى وأبكاني وقال : لا جرم أني من النادمين وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ولقيت صالحا فعاتبته في دعائه على قومه فبكى وأبكاني وقال : إني من النادمين وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ولقيت شعيبا فعاتبته في دعائه على قومه فبكى وأبكاني وقال : إني من النادمين وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين وكنت مع إبراهيم خليل الرحمن إذ ألقي في النار فكنت بينه وبين المنجنيق حتى أخرجه الله عز وجل منها وجعلها عليه بردا وسلاما وكنت مع يوسف الصديق في الجب فسبقته إلى وعره (3) وكنت معه في محبسه حتى أخرجه الله عز وجل منه ولقيت موسى بالمكان الأثير وكنت مع عيسى ابن مريم فقال لي عيسى : إن لقيت محمدا فأقرئه مني السلام ، يا رسول الله ، قد بلغتك السلام وقد آمنت بك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « وعلى عيسى السلام وعليك يا هامة ، حاجتك ؟ » قال : إن موسى علمني التوراة وعيسى علمني الإنجيل فعلمني القرآن فعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينعه إليه وما أراه إلا حيا
__________
(1) الاتكاء : الاستناد على شيء والميل عليه
(2) الهام : جمع هامة، وهي طائر من طير الليل أو البومة
(3) الوعر : الصعب ، والصلب
(1/104)
101 - حدثني إبراهيم بن سعيد الجوهري ، حدثنا يزيد بن يزيد الموصلي البلوي مولى لهم ، حدثنا أبو إسحاق الجرشي ، عن الأوزاعي ، عن مكحول ، عن أنس بن مالك قال : غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بفج الناقة عند الحجر إذا نحن بصوت يقول : اللهم اجعلني من أمة محمد المرحومة المغفور لها المتاب عليها المستجاب لها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يا أنس انظر ما هذا الصوت ؟ » فدخلت الجبل فإذا أنا برجل أبيض الرأس واللحية عليه ثياب طوله أكثر من ثلاثمائة ذراع فلما نظر إلي قال : أنت رسول النبي ؟ قلت : نعم قال : ارجع إليه فأقرئه مني السلام وقل له : هذا أخوك إلياس يريد أن يلقاك فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وأنا معه حتى إذا كنت قريبا منه تقدم وتأخرت فتحدثا طويلا فنزل عليهما شيء من السماء شبيه السفرة فدعواني فأكلت معهما فإذا فيه كمأة (1) ورمان وكرفس فلما أكلت قمت فتنحيت وجاءت سحابة فاحتملته أنظر إلى بياض ثيابه فيها تهوي به قبل الشام فقلت للنبي صلى الله عليه وسلم : بأبي أنت وأمي هذا الطعام الذي أكلنا من السماء نزل عليك ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « سألته عنه فقال لي : أتاني به جبريل ، في كل أربعين يوما أكلة وفي كل حول شربة من ماء زمزم وربما رأيته على الجب يمسك بالدلو فيشرب وربما سقاني »
__________
(1) الكمأة : واحدة الكَمْأ وهي نبت لا أوراق له ولا ساق يوجد في الأرض بغير زرع
(1/105)
102 - حدثني أبي ، أنبأنا محمد بن مصعب القرقساني ، حدثنا أبو بكر بن أبي مريم ، قال : « حج قوم فمات صاحب لهم بأرض فلاة (1) فطلبوا الماء فلم يقدروا عليه فأتاهم رجل فقالوا : دلنا على الماء قال : إن حلفتم لي ثلاثا وثلاثين يمينا أنه لم يكن صرافا ولا مكاسا ولا عريفا (2) ولا بريدا دللتكم على الماء فحلفوا له ثلاثا وثلاثين يمينا فدلهم على الماء وكان منهم غير بعيد قالوا : عاونا على غسله فقال : إن حلفتم لي ثلاثا وثلاثين يمينا أنه لم يكن صرافا ولا مكاسا ولا عريفا ولا بريدا أعنتكم على غسله فحلفوا له ثلاثا ثلاثين يمينا فأعانهم على غسله ثم قالوا له : تقدم فصل عليه فقال : لا إلا أن تحلفوا أربعا وثلاثين يمينا أنه لم يكن صرافا ولا مكاسا ولا عريفا ولا بريدا فحلفوا له أربعا وثلاثين يمينا أنه لم يكن صرافا ولا مكاسا ولا عريفا ولا بريدا فصلى عليه ثم ذهبوا ينظرون فلم يروا أحدا فكانوا يرون أنه ملك »
__________
(1) الفلاة : الصحراء والأرض الواسعة التي لا ماء فيها
(2) العريف : القيم الذي يتولى مسئولية جماعة من الناس
(1/106)
103 - حدثني أبي ، أخبرنا ، عبد العزيز القرشي ، أخبرنا إسرائيل ، عن السدي ، عن مولى عبد الرحمن بن بشر ، قال : « خرج قوم حجاجا في إمرة عثمان فأصابهم عطش فانتهوا إلى ماء مالح فقال بعضهم : لو تقدمتم فإنا نخاف أن يهلكنا هذا الماء فإن أمامكم الماء فساروا حتى أمسوا فلم يصيبوا الماء فقال بعضهم لبعض : لو رجعتم إلى الماء المالح فأدلجوا (1) حتى انتهوا إلى شجيرات سمر (2) فخرج عليهم رجل أسود شديد السواد جسيم فقال : يا معشر الركب إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحب للمسلمين ما يحب لنفسه ويكره للمسلمين ما يكره لنفسه فسيروا حتى تنتهوا إلى أكمة فخذوا عن يسارها فإذا الماء ثم ، فقال بعضهم : والله إنا لنرى أنه شيطان وقال بعضهم : وما كان الشيطان ليتكلم بمثل ما تكلم به فساروا حتى انتهوا إلى المكان الذي وصف لهم فوجدوا الماء ثم (3) »
__________
(1) الدلج والدلجة : السير في أول الليل ، وقيل في آخره ، أو فيه كله
(2) السَّمُر : هو ضربٌ من شجَرَ الطَّلح، الواحدة سَمُرة
(3) ثَمَّ : اسم يشار به إلى المكان البعيد بمعنى هناك
(1/107)
104 - وحدثني أبي ، أخبرنا يحيى بن أبي بكير ، حدثنا عمارة بن زاذان ، قال : « كنت مع زياد النميري في طريق مكة فضلت ناقة لصاحب لنا فطلبناها فلم نقدر عليها فأخذنا نقتسم متاعه (1) فقلنا لزياد : ألا تقول شيئا ؟ قال : سمعت أنسا يقول : تقرأ حم السجدة ، وتسجد وتدعو فقلنا : بلى فقرأ حم السجدة ودعا فرفعنا رءوسنا فإذا رجل معه الناقة التي ذهبت فقال زياد : أعطوه من طعامكم فلم يقبل قال : أطعموه قال : إني صائم ، قال : فنظرنا فلم نر شيئا قال : فلا أدري من كان »
__________
(1) المتاع : كل ما يُنْتَفَعُ به وَيُسْتَمْتَعُ ، أو يُتَبَلَّغُ بِهِ ويتُزَوَدَّ من سلعة أو مال أو زوج أو أثاث أو ثياب أو مأكل وغير ذلك
(1/108)
105 - حدثني محمد بن الحسين ، حدثني أبو عبد الملك بن الفارسي ، حدثني عبد الله بن سليمان ، من أهل عسقلان وكان ما علمته فاضلا ، حدثني رجل من العابدين ممن قدم علينا مرابطا بعسقلان قال : « قمت ذات ليلة للتهجد على بعض السطوح فإذا أنا بهاتف يهتف من البحر : إليكم معاشر العابدين إننا نفر من الأمم قبلكم ، قسمت العبادة ثلاثة أجزاء فأولها قيام الليل ، وثانيها صيام النهار ، وثالثها التسبيح وهذا خير القسمة فخذوا منه بالحظ الأوفر قال : فسقطت والله لوجهي مما دخلني من ذلك » «
(1/109)
106 - حدثني محمد بن الحسين ، حدثني عبد الرحمن بن عمرو الباهلي ، عن السري بن إسماعيل ، يذكر عن يزيد الرقاشي ، أن صفوان بن محرز المازني « كان إذا قام إلى تهجده (1) في الليل قام معه سكان داره من الجن فصلوا بصلاته واستمعوا القرآن » ، قال السري ، فقلت ليزيد : وأنى علم ذلك ؟ قال : كان إذا قام سمع لهم ضجة فاستوحش لذلك ، فنودي لا تفزع يا أبا عبد الله فإنما نحن إخوانك نقوم للتهجد كما تقوم فنصلي بصلاتك قال : فكأنه أنس بعد ذلك على حركتهم
__________
(1) التهجد : قيام الليل بالصلاة أو القراءة أو الذكر
(1/110)
107 - حدثني أبي ، حدثنا علي بن الحسن بن شقيق ، أخبرنا عبد الله بن المبارك ، أخبرنا عمر بن محمد بن المنكدر ، قال : « بينا رجل بمنى يبيع شيئا ويحلف إذ قام عليه شيخ فقال : يا هذا بع ولا تحلف فعاد يحلف فقال : بع ولا تحلف ، قال : أقبل على ما يعنيك فقال : هذا مما يعنيني فلما رآه لا يكف عنه اعتذر فقال له الشيخ : آثر الصدق على ما يضرك على الكذب فيما ينفعك وتكلم فإذا انقطع علمك فاسكت واتهم الكاذب فيما يحدثك به غيرك قال : رحمك الله : أكتبني هذا الكلام فقال : إن يقدر شيء يكن ثم لم يره فكانوا يرون أنه الخضر عليه السلام »
(1/111)
108 - حدثنا هارون بن عبد الله ، حدثنا أبو أسامة ، عن الأعمش ، عن ، عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، قال : « بينا أبو الدرداء يوقد تحت قدر له إذ سمع في القدر صوتا ثم ارتفع الصوت ينشج كهيئة صوت البعير (1) ثم انكفأت القدر ثم رجعت إلى مكانها ولم ينضب منها شيء فجعل أبو الدرداء ينادي يا سلمان انظر إلى العجب انظر إلى ما لم تنظر إلى مثله أنت ولا أبوك فقال له سلمان ، » أما إنك لو سكت لسمعت من آيات الله الكبرى « قال الأعمش : وكان النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين سلمان وأبي الدرداء رضي الله عنهما
__________
(1) البعير : ما صلح للركوب والحمل من الإبل ، وذلك إذا استكمل أربع سنوات ، ويقال للجمل والناقة
(1/112)
109 - حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن السكن ، حدثنا محمد بن زياد بن زبار الكلبي ، حدثنا ، العلاء بن برد بن سنان ، عن الفضل بن حبيب السراج ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن النضر بن عمرو الحارثي ، قال : « إنا كنا في الجاهلية إلى جانبنا غدير فأرسلت ابنتي بصحفة (1) لتأتيني بماء فأبطأت علينا فطلبناها فأعيتنا (2) فسلونا عنها قال : فوالله إني ذات ليلة جالس بفناء مطلتي إذ طلع علي شبح فلما دنا (3) مني إذا ابنتي ، قلت : ابنتي ؟ قالت : ابنتك قلت : أين كنت أي بنية ؟ قالت : أرأيت ليلة بعثتني إلى الغدير ؟ إن جنيا استطار بي فلم أزل عنده حتى وقع بينه وبين فريقين من الجن حرب فأعطى الله عز وجل عهدا إن ظفر بهم أن يردني عليك فظفر بهم فردني عليك وإذا هي قد شحب لونها وتمرط شعرها وذهب لحمها فأقامت عندنا فصلحت فخطبها بنو عمها فزوجناها وقد كان الجني جعل بينه وبينها أمارة إذا رابها (4) ريب أن تدخن له وإن ابن عمها ذلك عيب عليها فقال : جنية شيطانة ما أنت بإنسية فدخنت فناداه مناد : ما لك ولهذه ؟ لو كنت تقدمت إليك لفقأت عينيك ، رعيتها في الجاهلية بحبي وفي الإسلام بديني فقال له الرجل : ألا تظهر حتى نراك ؟ قال : ليس ذاك لنا إن أبانا سأل لنا ثلاثا أن نرى ولا نرى وأن نكون بين أطباق الثرى (5) وأن يعمر أحدنا حتى تبلغ ركبتاه حنكه ثم يعود فتى قال : فقال : يا هذا ألا تصف لنا دواء حمى الربع ؟ قال : بلى قال : أما رأيت تلك الدويبة على الماء كأنها عنكبوت ؟ قال : بلى قال : خذها ثم اشدد على بعض قوائمها خيطا من عهن (6) فشده على عضدك (7) اليسرى ففعل فكأنما نشط من عقال (8) قال : فقال الرجل : يا هذا ألا تصف لنا من رجل يريد ما تريد النساء ؟ قال : هل ألمت به الرجال ؟ قال : نعم قال : لو لم يفعل لوصفت لك »
__________
(1) الصحفة : إِناءٌ كالقَصْعَة المبْسُوطة ونحوها، وجمعُها صِحَاف
(2) أعيتنا : أعجزتنا وأتعبتنا ولم نصل إليها
(3) الدنو : الاقتراب
(4) رابها : ساءها
(5) الثرى : التراب النَّدِيٌّ، وقيل : هو التراب الذي إِذا بُلَّ يصير طينا
(6) العِهْن : الصُّوف المُلَوَّن
(7) عضد : ما بين المرفق والكتف
(8) نشط أو أنشط من عقال : فُكَّ من حبل كان مشدودا به
(1/113)
110 - حدثنا إبراهيم بن عبد الله الهروي ، أخبرنا هشيم ، أخبرنا مجالد ، عن ، الشعبي ، قال : « عرض جان لإنسان مرة وكان الذي عرض له مسلما ، فعولج فتركه وتكلم فقالوا : هل لديك عن حمى الربع شيء ؟ قال : نعم ، يعمد إلى ذباب الماء فيعقد فيه خيطا من عهن (1) ثم يجعل في عضده (2) فهذا من حمى الربع »
__________
(1) العِهْن : الصُّوف المُلَوَّن
(2) عضد : ما بين المرفق والكتف
(1/114)
111 - حدثني محمد بن عمرو بن الحكم الهروي ، حدثني الهيثم بن عدي ، أخبرنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الثقفي ، عن عبد الملك بن عمير ، عن الشعبي ، حدثنا زياد بن النضر الحارثي ، قال : « كنا في غدير لنا في الجاهلية ومعنا رجل من الحي يقال له عمرو بن مالك ومعه ابنة له شابة رواد ، فقال : أي بنية خذي هذه الصحفة (1) فأتي الغدير فأتيني من مائه فوافاها عليه جان فاختطفها فذهب بها ففقدها أبوها فنادى في الحي فخرجنا على كل صعب وذلول ، وسلكنا كل شعب (2) ونقب وطريق فلم نجد لها أثرا فلما كان في زمن عمر بن الخطاب إذا هي قد جاءت قد عفا شعرها وأظفارها فقام إليها أبوها يلثمها ويقول : أي بنية ، أين كنت ؟ وأين نبت بك الأرض ؟ قالت : أتذكر ليلة الغدير ؟ قال : نعم قالت : وافاني عليه جان فاختطفني فذهب بي فلم أزل فيهم والله ما نال مني محرما حتى إذا جاء الله بالإسلام غزوا قوما مشركين فيهم أو غزاهم قوم مشركون منهم فجعل لله عز وجل عليه إن هو ظفر وأصحابه أن يردني على أهلي فظفر هو وأصحابه فحملني فأصبحت وأنا أنظر إليكم وجعل بيني وبينه أمارة إذا أنا احتجت إليه أن أولول بصوتي فأخذوا من شعرها وأظفارها ثم زوجها أبوها شابا من الحي فوقع بينه وبينها ما يقع بين الرجل وزوجته فقال : يا مجنونة ، إنما نشأت في الجن فولولت بصوتها فإذا هاتف يهتف : بني الحارث اجتمعوا وكونوا أحباء كراما قلنا : يا هذا نسمع صوتا ولا نرى شيئا فقال : أنا رب فلانة رعيتها في الجاهلية بحبي وحفظتها في الإسلام بديني والله ما نلت منها محرما قط إني كنت في أرض بني فلان فسمعت نبأة من صوتها فتركت ما كنت فيه ثم أقبلت فسألتها فقالت : عيرني صاحبي أني كنت فيكم قال : والله لو كنت تقدمت إليه لفقأت عينيه فتقدموا إليه : أي فل (3) اظهر لنا نكافئك فلك عندنا الجزاء والمكافأة فقال : إن أبانا سأل أن نرى ولا نرى وأن لا نخرج من تحت الثرى (4) وأن يعود شيخنا فتى فقالت له عجوز من الحي : أي فل ، بنية لي عريس أصابتها حمى الربع فهل لها عندك دواء ؟ قال : على الخبير سقطت انظري إلى ذباب الماء الطويل القوائم الذي يكون على أفواه الأنهار فخذي سبعة ألوان عهن (5) من أصفره وأحمره وأخضره وأسوده فاجعليه في وسط ذلك ثم افتليه بين إصبعيك ثم اعقديه على عضدها (6) اليسرى ففعلت فكأنما أنشطت من عقال (7) »
__________
(1) الصحفة : إِناءٌ كالقَصْعَة المبْسُوطة ونحوها، وجمعُها صِحَاف
(2) الشعب : الطريق في الجبل أو الانفراج بين الجبلين
(3) فل : المراد فلان
(4) الثرى : التراب النَّدِيٌّ، وقيل : هو التراب الذي إِذا بُلَّ يصير طينا والمراد هنا : الأرض
(5) العِهْن : الصُّوف المُلَوَّن
(6) عضد : ما بين المرفق والكتف
(7) نشط أو أنشط من عقال : فُكَّ من حبل كان مشدودا به
(1/115)
112 - حدثني إسحاق بن إسماعيل ، حدثنا خالد بن الحارث الهجيمي ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أبي نضرة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، أن رجلا من قومه خرج ليصلي مع قومه صلاة العشاء ففقد فانطلقت امرأته إلى عمر بن الخطاب فحدثته بذلك فسأل عن ذلك قومها فصدقوها فأمرها أن تتربص أربع سنين فتربصت ثم أتت عمر فأخبرته بذلك فسأل عن ذلك قومها فصدقوها فأمرها أن تتزوج ثم إن زوجها الأول قدم فارتفعوا إلى عمر بن الخطاب ، فقال عمر ، « يغيب أحدكم الزمان الطويل لا يعلم أهله حياته » قال : إن لي عذرا قال : « وما عذرك ؟ » قال : خرجت أصلي مع قومي صلاة العشاء فسبتني الجن أو قال : أصابتني الجن فكنت فيهم زمانا طويلا فغزاهم جن مؤمنون فقاتلوهم فظهروا عليهم وأصابوا سبايا (1) فكنت فيمن أصابوا فقالوا ما دينك ؟ قلت : مسلم قالوا : أنت على ديننا ، لا يحل لنا سباؤك فخيروني بين المقام وبين القفول فاخترت القفول (2) فأقبلوا معي ، بالليل بشر يحدثونني ، وبالنهار إعصار ريح أتبعها قال : فما كان طعامك ؟ قال : قلت : كل ما لم يذكر اسم الله عليه قال : فما شرابك ؟ قال : الجدف الجدف ما لم يخمر من الشراب قال : فخيره عمر بين المرأة وبين الصداق (3)
__________
(1) السبايا : الأسرى من النساء والأطفال
(2) القفول : العودة والرجوع
(3) الصداق : المهر
(1/116)
113 - حدثنا أبو مسلم عبد الرحمن بن يونس ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن يحيى بن جعدة ، قال : انتسفت الجن رجلا على عهد عمر ، فلم يدروا أحي هو أم ميت فأتت امرأته عمر فأمرها أن تتربص أربع سنين ثم أمر وليه أن يطلق ثم أمرها أن تعتد (1) وتتزوج فإن جاء زوجها خير بينها وبين الصداق (2)
__________
(1) تعتد : تقضي فترة العدة وهي المدة التي لا يحل للمرأة الزواج فيها بسبب موت زوجها أو طلاقها منه
(2) الصداق : المهر
(1/117)
114 - حدثنا منذر بن عمار الكاهلي ، أخبرنا عمرو بن أبي المقدام ، أخبرنا الجصاصون أنهم كانوا يسمعون نوح (1) الجن على الحسين رحمة الله عليه : مسح النبي جبينه فله بريق في الخدود أبواه من عليا قريش وجده خير الجدود
__________
(1) النوح : البكاء بجزع وعويل
(1/118)
115 - حدثني سويد بن سعيد ، حدثنا عمرو بن ثابت ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أم سلمة قالت : « ما سمعت نوح (1) الجن على أحد منذ قبض النبي صلى الله عليه وسلم حتى قبض الحسين فسمعت جنية تنوح : ألا يا عين فاحتفلي بجهد ومن يبكي على الشهداء بعدي على رهط (2) تقودهم المنايا إلى متجبر في الملك عبد »
__________
(1) النوح : البكاء بجزع وعويل
(2) الرهط : الجماعة من الرجال دون العشرة
(1/119)
116 - حدثني محمد بن عباد بن موسى ، حدثنا هشام بن محمد ، حدثنا أبو حيزوم الكلبي ، عن أمه ، قالت : لما قتل الحسين سمعت مناديا ، ينادي في الجبال وهو يقول : أيها القوم قاتلون حسينا أبشروا بالعذاب والتنكيل كل أهل السماء يدعو عليكم من نبي ومألك وقبيل قد لعنتم على لسان ابن داود وموسى وحامل الإنجيل
(1/120)
117 - وحدثني محمد بن أبي عتاب أبو بكر الأعين ، حدثنا أبو عاصم النبيل ، عن عثمان بن مرة ، عن أمه ، قالت : لما قتل عثمان بن عفان ناحت الجن عليه فقالوا : ليلة للجن إذ ير مون بالصخر الصلاب إذ أقاموا بكرة ينـ ـعون صقرا كالشهاب زينهم في الحي والمجـ ـلس فكاك الرقاب .
(1/121)
118 - حدثني أبو سعيد المديني ، حدثنا إبراهيم بن المنذر ، حدثنا عبد العزيز بن عمران ، عن الحكم ، عن القاسم ، عن أبيه ، عن عياض بن عبد الله بن أبي سرح ، قال : « نزل جن من المغرب شعبا (1) من شعاب اليمن فتشاحنوا عليه وأعدوا للقتال فإذا صائح يصيح : يا هؤلاء على رسلكم علام القتال في ؟ فوالله لقد هلك سبعون أعور كلهم اسمه عمرو »
__________
(1) الشعب : الطريق في الجبل أو الانفراج بين الجبلين
(1/122)
119 - حدثنا خالد بن خداش ، حدثنا محمد بن يزيد الواسطي ، عن الأصبغ بن زيد ، عن أبي بلج ، قال : « خرجت بعد المغرب فرأيت طائرا قال إبراهيم : أحسبه قال : أبيض ضخما وهو يقول : سبحان الله على خير فعله في الناس »
(1/123)
120 - حدثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي ، حدثنا أبو أسامة ، عن مسعر ، عن معن ، عن عون بن عبد الله ، قال : « بينا رجل في بستان بمصر في فتنة ابن الزبير مهموم حزين ينكت (1) بشيء معه في الأرض إذا شيخ له صاحب مسحاة فقال له : ما لي أراك مهموما حزينا ؟ فرفع رأسه فلما رآه كأنه ازدراه فقال : لا شيء ، فقال صاحب المسحاة : أللدنيا ؟ فإن الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر والآخرة أجل صادق يحكم فيها ملك قادر يفصل بين الحق والباطل حتى ذكر أنها مفاصل كمفاصل اللحم من أخطأ شيئا أخطأ الحق قال : فلما سمع ذلك منه كأنه أعجبه قال : فقال : اهتمامي لما فيه المسلمون قال : فإن الله سينجيك بشفقتك على المسلمين وسل فمن ذا الذي سأله فلم يعطه ودعاه فلم يجبه وتوكل عليه فلم يكفه أو وثق به فلم ينجه ؟ قال : فطفقت أقول : اللهم سلمني وسلم مني قال : فانجلت ولم أصب فيها بشيء . قال مسعر : يرون أنه الخضر عليه السلام »
__________
(1) النكت : قرعك الأرض بعود أو بإصبع أو غير ذلك فتؤثر بطرفه فيها
(1/124)
121 - حدثنا سويد بن سعيد ، حدثنا خالد بن عبد الله الرومي اليامي ، قال : استودع عند محمد بن المنكدر وديعة فاحتاج إليها فأنفقها فجاء صاحبها يطلبها فقام محمد بن المنكدر ، فصلى ودعا فكان من دعائه أن قال : « يا ساد الهواء بالسماء ويا كابس الأرض على الماء ، ويا واحدا قبل كل أحد كان ، ويا واحدا بعد كل أحد كان ، أد عني أمانتي » فإذا هاتف يهتف خذ هذه فأدها عن أمانتك وأقصر في الخطبة فإنك لن تراني
(1/125)
122 - حدثني محمد بن الحسين ، حدثنا إبراهيم بن داود ، حدثني سهل بن حاتم ، وكان من العابدين ، حدثني أبو سعيد ، رجل من أهل الإسكندرية أنه قال : « كنت أبيت في مسجد بيت المقدس فكان قلما يخلو من المتهجدين (1) قال : قمت ذات ليلة بعدما قد مضى وقت طويل فنظرت فلم أر في المسجد متهجدا فقلت : ما بال الناس الليلة لا أرى منهم أحدا يصلي ؟ فوالله إني لأفكر في ذلك في نفسي إذ سمعت قائلا يقول من نحو القبة التي على الصخرة كلمات كاد والله أن يصدع بهن قلبي كمدا واحتراقا وحزنا قلت : يا أبا سعيد ، وما قال ؟ قال : سمعته يقول بصوت حزين : فواعجبا للناس لذت عيونهم مطاعم غمض بعده الموت منقضب فطول قيام الليل أيسر مؤنة وأهون من نار تفور وتلتهب قال : فسقطت والله لوجهي وذهب عقلي فلما أفقت نظرت فإذا لم يبق متهجد إلا قام »
__________
(1) التهجد : قيام الليل بالصلاة أو القراءة أو الذكر
(1/126)
123 - حدثني سليمان بن أبي شيخ ، حدثنا حسين الجعفي ، عن الحسن بن الحر ، مولى بني أسد ، عن ميمون بن أبي شبيب ، وكان كوفيا ، عن عائذ الله ، قال : « أردت أن أكتب كتابا فكنت إن كتبت كذبت وحبس كتابي وإن تركته صدقت وفتح كتابي فاعتزمت على تركه فسمعت مناديا من جانب البيت يقول : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا (1) ) »
__________
(1) سورة : إبراهيم آية رقم : 27
(1/127)
124 - حدثني سليمان بن أبي شيخ ، حدثنا الحسين بن علي الجعفي ، عن الحسن بن الحر ، عن ميمون بن أبي شبيب ، قال : « أردت الجمعة في إمرة الحجاج فجعلت أقول : أحيانا أذهب وأحيانا لا أذهب فسمعت مناديا ينادي من جانب البيت : ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله (1) ) »
__________
(1) سورة : الجمعة آية رقم : 9
(1/128)
125 - حدثني عبد الله بن عمرو البلخي ، حدثني محمد بن أبي الوزير ، حدثني إسماعيل بن إبراهيم الهاشمي ، حدثني المريمي ، قال : « كنت أقنص الحمر فخرجت ذات يوم فبنيت كوخا في الموضع الذي ترده للشرب فلما وردت سددت سهاما فإذا أنا بهاتف يقول : يا منهلة أحمرك ، فنفرت (1) الحمر كلها قال : فانصرفت ومعي جارية يقال لها مرجانة وحماران فشددتهما من وراء الجبل وفوقت سهمي وجلست أرقبهما فلما طلعت الحمر لم أحتج إلى تلبث فرميتها فصرعت حمارا منها ثم قلت : قد فقدت حمارها منهله أتبعتها سبحلة منسله كذنب النحلة يعلو الجله قد فقدت حمارها مرجانه أتبعتها سبحلة حسانه من قبضة عسراء في شريانه فقالت الجارية : يا مولاي قد مات والله أحد الحمارين »
__________
(1) نفر من المكان : تركه إلى غيره ، والمراد : هربت وتفلتت
(1/129)
126 - حدثني أبو بكر التيمي رجل من ولد أبي بكر الصديق قال : سمعت رجلا من بني عقيل قال : « صدت يوما تيسا (1) من الظباء (2) فجئت به إلى منزلي فأوثقته (3) هناك فلما كان من الليل سمعت هاتفا يقول : أيا فلان ، هل رأيت حمل اليتامى ؟ قال : نعم ، أخبرني جني أن الإنسي أخذه قال : أما ورب البيت لئن كان أحدث فيه شيئا لأحدثن فيه مثله فلما سمعت ذلك جئت ذلك إلى التيس فأطلقته فسمعته يدعوه فأقبل نحو الصوت وله حنين وإرزام كحنين الجمل وإرزامه » وحدثني أبو بكر التيمي ، قال : صاد رجل قنفذا فكفأ عليه برمة فبينا هو على الماء إذ نظر إلى رجلين عريانين وأحدهما يقول : واكبدا إن كان عفار ذبح فقال الآخر : ثكلت بعل عمتي إن لم أنح فلما سمعت ذلك جئت إلى البرمة وله جلبة تحتها فكشفت عنه فمر يخطر «
__________
(1) التيس : الذَّكَرُ من الظِّبَاء والمَعْزِ والوُعُولِ، أو إذا أَتَى عليه سَنَةٌ
(2) الظباء : جمع ظبي ، وهو الغزال
(3) أوثق : ربط
(1/130)
127 - حدثني أبي ، أخبرنا علي بن عاصم ، أخبرنا التيمي ، عن أبي عثمان النهدي ، عن حذيفة ، قال : « خرج فتية يتحدثون فرأوا إبلا (1) معقلة فقال بعضهم : كأن هذه الإبل ليس معها أربابها قال : فأجابهم تبعد منها إن أربابها حشروا ضحى »
__________
(1) الإبل : الجمال والنوق ليس له مفرد من لفظه
(1/131)
128 - حدثني هارون بن عبد الله ، حدثني محمد بن أبي كبشة ، قال : « سمعت هاتفا في البحر ليلا فقال : كذب المريسي على الله عز وجل ثم هتف ثانية فقال : لا إله إلا الله ، على ثمامة والمريسي لعنه الله ، قال : وكان معنا في المركب رجل من أصحاب بشر المريسي فخر ميتا »
(1/132)
129 - حدثني يوسف بن موسى ، حدثنا جرير ، عن ابن خالد بن مسلمة القرشي ، قال : « لما مات الحسين بن الحسين بن علي اعتكفت فاطمة بنت الحسين على قبره سنة وكانت امرأته ضربت على قبره فسطاطا (1) فكانت فيه فلما مضت السنة قلعوا الفسطاط ودخلت المدينة فسمعوا صوتا من جانب البقيع هل وجدوا ما فقدوا ؟ فسمع من الجانب الآخر : بل يئسوا فانقلبوا »
__________
(1) الفسطاط : بيت من شعر ، وضرب من الأبنية ، والجماعة من الناس
(1/133)
130 - حدثني الحسن بن جمهور ، حدثني ابن أبي أويس ، حدثني أبي ، عن عباد بن إسحاق ، عن إبراهيم بن محمد بن طلحة ، عن سعد بن أبي وقاص قال : « بينا أنا بفناء (1) داري إذ جاءني رسول زوجتي فقالت : أجب فلانة فاستنكرت ذلك فدخلت فقلت : مه (2) فقالت : إن هذه الحية وأشارت إليها كنت أراها بالبادية إذا خلوت ثم مكثت لا أراها حتى رأيتها الآن وهي هي أعرفها بعينها قال : فخطب سعد خطبة فحمد الله عز وجل وأثنى عليه ثم قال : أما بعد ، فإنك قد آذيتني وأقسم بالله عز وجل إن رأيتك بعد هذا لأقتلنك » فخرجت الحية فانسابت من باب البيت ثم من باب الدار وأرسل معها سعد إنسانا فقال : انظر أين تذهب ؟ فتبعها حتى جاء المسجد ثم جاءت منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقت فيه مصعدة إلى السماء حتى غابت
__________
(1) الفناء : الساحة في الدار أو بجانبها
(2) مه : كلمة زجر بمعنى كف واسكت وانته
(1/134)
131 - حدثنا الحسن بن عرفة العبدي ، حدثني إبراهيم بن سليمان أبو إسماعيل المؤدب ، عن الأعمش ، عن زيد بن وهب ، قال : « غزونا فنزلنا في جزيرة فإذا جحرة كبيرة فقال رجل من القوم : إني أرى جحرة كبيرة فلعلكم تؤذون من فيها فحولوا نيرانهم فأتي من الليل فقيل له : إنك دفعت عن ديارنا فسنعلمك طبا تصيب به خيرا إذا ذكر لك المريض وجعه فما وقع في نفسك أنه دواؤه فهو دواؤه قال : فكان يؤتى في مسجد الكوفة قال : فأتاني رجل عظيم البطن فقال : انعت لي دواء فإني كما ترى إن أكلت وإن لم آكل فقال : ألا تعجبون لهذا ؟ يسألني وهو ميت في هذا اليوم من قائل ، قال : فرجع ثم أتاه عند وفاء ذلك الوقت والناس عنده فقال : إن هذا كذاب فقال : سلوه ما فعل وجعه قال : ذهب قال : أنا خوفته بذلك »
(1/135)
 

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

0 التعليقات:

إرسال تعليق