يتم التشغيل بواسطة Blogger.
RSS

الباب الخامس والسبعون في نوحهم على بعض من أصيب بصفين

الباب الحادي والخمسون في دخول الجن في بدن المصروع

أنكر طائفة من المعتزلة كالجبائى وأبى بكر الرازى محمد بن زكريا الطبيب وغيرهما دخول الجن فى بدن المصروع وأحالوا وجود روحين فى جسد مع إقرارهم بوجود الجن إذ لم يكن ظهور هذا فى المنقول عن النبى - صلى الله عليه وسلم - كظهور هذا وهذا الذى قالوه خطأ وذكر ابو الحسن الأشعرى فى مقالات أهل السنة والجماعة أنهم يقولون إن الجن تدخل فى بدن المصروع كما قال الله تعالى “ الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس “ قال عبدالله بن أحمد بن حنبل قلت لأبى إن قوما يقولون إن الجن لا تدخل فى بدن الإنس قال يا بنى يكذبون هو ذا يتكلم على لسانه قلت ذكر الدارقطنى فى الجزء الذى انتقاه من حديث أبى سهل بن زياد لفرقد السنحى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن امرأة جاءت بابن لها إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - فقالت يا رسول الله إن ابنى به جنون وأنه يأخذه عند غدائنا وعشائنا فمسح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدره ودعا له فتفتفه فخرج من جوفه مثل الجرو الأسود فسعى رواه أبو محمد عبدالله بن عبدالرحمن الدارمى فى أوائل مسنده فتفتفه اى قيأه وسيأتى إن شاء الله تعالى عن قريب حديث أم أبان الذى رواه أبو داود وغيره وفيه قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخرج عدو الله وهكذا حديث أسامة بن زيد وفيه اخرج يا عدو الله فإنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم

وقال القاضى عبدالجبار إذا صح ما دللنا عليه من رقة أجسامهم وأنها كالهواء لم يمتنع دخولهم فى أبداننا كما يدخل الريح والنفس المتردد الذى هو الروح فى أبداننا من التخرق والتخلخل ولا يؤدى ذلك إلى اجتماع الجواهر فى حيز واحد لأنها لا تجتمع إلا على طريق المجاورة لا على سبيل الحال وإنما تدخل فى أجسامنا كما يدخل الجسم الرقيق فى الظروف ، فإن قيل إن دخول الجن فى أجسامنا إلى هذه المواضع يوجب تقطيعها أو تقطيع الشياطين لأن المواضع الضيقة لا يدخلها الجسم إلا ويتقطع الجسم الداخل فيها قيل له إنما يكون ما ذكرته إذا كانت الأجسام التى تدخل فى الأجسام كثيفة كالحديد والخشب فأما إذا كانت كالهواء فالأمر بخلاف ما ذكرته وكذلك القول فى الشياطين إنهم لا يتقطعون بدخولهم فى الأجسام لأنهم إما أن يدخلوا بكليتهم فبعضهم متصل ببعض فلا يتقطعون وإما أن يدخلوا بعض أجسامهم إلا أن بعضهم متصل ببعض فلا يتقطع أيضا وهذا مثل أن تدخل الحية فى جحرها كلها أو يدخل بعضها وبعضها يبقى خارج الجحر لأن ذلك لا يوجب تقطعها وليس لأحد أن يقول ما أنكرتم إذا حصل الجنى فى المعدة أن يكون قد أكلناه كما إذا حصل الطعام فيها كنا آكلين له وذلك لأن الأكل هو معالجة ما يوصل بالمضغ والبلع وليس كلما يحصل فى المعدة نكون له آكلين ولا يكون الماء بحصوله فى المعدة مأكولا فإن قيل يجوز أن يدخلوا فى الأحجار قيل نعم إذا كانت مخلخلة كما يجوز دخول الهواء فيها فإن قيل فيجب على ما ذكرتم دخول الشيطان وزوجته فى جوف الآدمى فينكحها فتحبل وتلد فيكون لهم في جوف الواحد منا أولاد قيل قد أجاب أبو هاشم عن هذا السؤال بأن ذلك لا يمتنع فى الأجسام الرقاق كما لا يمتنع ذلك فى الأجسام اللطاف ألا ترى أنه ربما يجتمع فى الجوف من الدود ونحوها شئ عظيم كثير وكذلك الرقيق من الأجسام غير ممتنع هذا منه قال إلا أنه لا يقطع الولادة عليهم لأنهم مختارون فربما لم يختاروا أن يتوالدوا فى أجواف الإنس كما لا نختار نحن أن نتوالد فى الأسواق والمساجد بل نختار فعل ذلك فى مواضع مخصوصة فلا يمتنع أن تكون هذه حالهم وإذا صح ما ذكرناه سقط هذا الاعتراض قال القاضى عبدالجبار بعد ما قدم حديث الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم هذا لا يصح إلا أن تكون أجسامهم رقيقة على مقتضاه ونظائرذلك من الأخبار المروية فى هذا الباب من أنهم يدخلون فى أبدان الإنس وهذا لا يجوز على الأجسام الكثيفة قال ولشهرة هذه الأخبار وظهورها عند العلماء قال أبو عثمان عمرو بن عبيدان المنكر لدخول الجن فى أبدان الإنس دهرى أو يجئ منه دهرى.

قال عبدالجبار وإنما قال ذلك لأنها قد صارت فى الشهرة والظهور كشهرة الأخبار فى الصلاة والصيام والحج والزكاة ومن أنكر هذه الأخبار التى ذكرناها كان رادا والراد على الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما لا سبيل إلى علمه إلا من جهته كافر ومن لا يعلم أن المعجزات لا يقدر عليها إلا الله عز وجل وحده لم يصح له أن يعلم أن الأجسام لا يفعلها إلا الله عز وجل ومن لم يعلم ذلك لم يمكنه إثبات قادر لنفسه ولا عالم لنفسه ولا وحى لنفسه ومن لم يمكنه إثبات هذا لم يكنه إثبات فاعل الأجسام وإذا لم يمكنه ذلك وهى موجودة لم يمكنه أن يثبتها محدثة وإذا لم يمكنه أن يثبتها محدثة وهى مع ذلك موجودة فلا بد من أن تكون قديمة ومن كان هذا حاله كان دهريا أو جاء منه دهرى على ما قال وفساد قوله على ما ذكرناه من هذا الترتيب فهذا معنى قوله دهرى أو يجئ منه دهرى وقال أبو القاسم الأنصارى ولو كانوا كثافا يصح ذلك أيضا منهم كما يصح دخول الطعام والشراب فى الفراغ من جسمه فيجب تصحيح ذلك وتأويله المس منه عليه وقال قائلون إن معنى سلوكهم فى الإنس إنما هو بإلقاء الظل عليهم وذلك هو المس ومنه الصرع والفزع وذلك أيضا مما يدفعه العقل غير أنه ورد السمع بسلوكهم فى الإنس ووضع الشيطان رأسه على القلب والله تعالى أعلم

الباب الثانى والخمسون فى أن حركات المصروع هل هى من فعله أو فعل الجن

قد تقرر أن المحدث يستحيل أن يفعل فى غيره فعلا ملكا كان أو شيطانا أو إنسيا بل ذلك من فعل المصروع بجري العادة فإن كان المصروع قادرا على ذلك الاضطراب كان ذلك كسبا له وخلقا لله عز وجل وإن لم يكن قادرا عليه لم يكن مكتسبا له بل هو مضطر إليه ولا يمنع أن يكون الله تعالى قد أجرى العادة بأنه لا يفعل ذلك الصرع والاضطراب إلا عند سلوك الجنى فيه أو عند مسه كما فى الأسباب المستعقبة للمسببات وكذلك القول فيما يسمع من المصروع من الكلام فى تجويز كونه كسبا له أو مضطرا إليه وإن كان هو المتكلم دون خالقه وتجويز كونه من كلام شيطان قد سلكه أو مسه وأن يكون قائما بذات الشيطان دون ذات من هو سالك فيه أو مماس له وأكثر الناس يعتقدون أنه كلام الجنى ويضيفونه إليه ولا دليل نقطع به على أن ما سمع منه كلام له أو للشيطان وإن كان كلاما له فإنه من كسبه أو ضرورة فيه وإنما يصار إلى أحدهما بتوقيف مقطوع به ومتى كان كلاما للمصروع كانت إضافته إلى الشيطان مجازا ومعنى الكلام أنه كان منه وسلوكه وعلى الجملة أن المتكلم من قام به الكلام لا من فعل الكلام ثم الكلام الذى يقوم بالبشر قد يكون من فعله وكسبه وقد يكون مضطرا إليه وقد تقدم قول الإمام أحمد هو ذا يتكلم على لسانه يعنى لسان المصروع فقد جعل المتكلم هو الجنى فكذلك الحركة والله سبحانه وتعالى أعلم الباب الثالث والخمسون فى حكم معالجة المصروع.

سئل أبو العباس بن تيمية رحمة الله عليه عن رجل ابتلى بمعالجة الجن مدة طويلة لكون بعض من عنده ناله سحر عظيم قليل الوقوع في الوجود وتكرر السحر أكثر من مائة مرة وكاد يتلف المسحور ويقتله بالكلية مرات لا تحصى فقابلهم الرجل المذكور بالتوجه والصد البليغ ودوام الدعاء والالتجاء وتحقيق التوحيد وأحسن بالنصر عليهم وكان المصاب يراهم في اليقظة وفي المنام ويسمع كلامهم في اليقظة أيضا فرآهم في أوائل الحال وهم يقولون مات البارحة منا البعض ومرض جماعة لأجل دعاء الداعي وسموه باسمه وكان بالقاهرة رجل هائل يقل وجود مثله في الوجود يجتمع بهم ويطلع على حقيقة حالهم وله عليهم سلطان باهر مشهور مشهود لغيره فسئل عن حقيقة منام المصاب وعن خبر الدعاء فأخبر بهلك ستة ومرض كثير من الجن وتكرر هذا نحوا من مائة مرة وتبين للرجل الداعي المذكور أن الله تعالى قهرهم له فإنه كان يجد ذلك ويشهده ويعاضده منامات المصاب وسماعه في اليقظة ايضا وأخبار صاحبهم المذكور وبعد ذلك أذعنوا وذلوا وطلبوا المسألة فهل يجوز للرجل الداعي مواظبة الذب عن صاحبه المصاب المظلوم مع تحققه هلاك طائفة بعد طائفة والحالة هذه أم لا وهل عليه من إثمهم شيء فإنه قد يكون بعضهم مع صياله مسلما أم لا وهل يجوز له إسلام صاحبه والتخلي عنه مع ما يشاهده من أذاه وقرب هلاكه أم لا وهل هذا الغزو مشروع وعليه شاهد من السنة النبوية والطريقة السائغة أم لا وهل تشهد الشريعة بصحة وقوع مثل ذلك كما قد تحققه السائل وغيره من المباشرين والمصدقين أم ذلك ممتنع كما تقوله الفلاسفة وبعض أهل البدع وهل تجوز الاستعانة عليه بشيء من صنع أهل التنجيم ونحوهم فيما يعانونه من الحجب والكتابة والبخور والأوراق وغير ذلك لأنهم يتحملون كبر ذلك والمصاب واهله يطلبون الشفاء وإن كان في ذلك كفر فيكون في عنق صاحبه الذي باع دينه بالدنيا وهذا من باب مقابلة الفاسد بمثله أم لا يجوز ذلك لأجل تقوية طريقهم والدخول في أمر غير مشروع وذكر السائل أسئلة أخرى أضربت عن ذكرها والجواب في نحو كراسين وفيه بسط خارج عن مقصود الجواب اقتضاه طرد الكلام وتشبث بعضه بأذيال بعض وقد أثبت منه ملخصه المطابق للسؤال.

تلخيص الجواب
يستحب وقد يجب أن يذب عن المظلوم وأن ينصر فإن نصر المظلوم مأمور به بحسب الامكان وإذا برئ المصاب بالدعاء والذكر وأمر الجن ونهيهم وانتهارهم وسبهم ولعنهم ونحو ذلك من الكلام حصل المقصود وإن كان ذلك يتضمن مرض طائفة من الجن أو موتهم فهم الظالمون لأنفسهم إذا كان الراقي الداعي المعالج لم يتعد عليهم كما يتعدى عليهم كثير من أهل العزائم فيأمرون بقتل من لا يجوز قتله وقد يحبسون من لا يحتاج إلى حبسه ولهذا قد يقابلهم الجن على ذلك ففيهم من تقتله الجن أو تمرضه وفيهم من يفعل ذلك بأهله وأولاده أو دوابه وأمامن سلك في دفع عدوانهم مسلك العدل الذي أمر الله به ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فإنه لم يظلمهم بل هو مطيع لله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - في نصر المظلوم وإغاثة الملهوف والتنفيس عن المكروب بالطريق الشرعي التي ليس فيها شرك بالخالق ولا ظلم للمخلوق ومثل هذا لا تؤذيه الجن إما لمعرفتهم بأنه عادل وإما لعجزهم عنه وإن كان الجن من العفاريت وهو ضعيف فقد تؤذيه فينبغي لمثل هذا ان يحترز بقراءة المعوذات والصلاة والسلام والدعاء ونحو ذلك مما يقوي الإيمان يجتنب الذنوب التي بها يستطيلون عليه فإنه يجاهد في سبيل الله وهذا من أعظم الجهاد فليحذر أن ينصر العدو عليه بذنوبه وإن كان الأمر فوق قدرته فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها ومن أعظم ما ينتصر به عليهم آية الكرسي فقد جرب المجربون الذين لا يحصون كثرة ان لها من التأثير في دفع الشياطين وإبطال أحوالهم ما لا ينضبط من كثرته وقوته فإن لها تأثيرا عظيما في طرد الشياطين عن نفس الإنسان وعن المصروع وعمن تعينه الشياطين من أهل الظلم والغضب وأهل الشهوة والطرب وأرباب سماع المكاء والتصدية إذا قرأت عليهم بصدق والصائل المتعدي يستحق دفعه سواء كان مسلما أو كافرا فقد قال - صلى الله عليه وسلم - من قتل دون ماله فهو شهيد وورد دون دمه ودون حرمته ودون دينه فإذا كان المظلوم له أن يدفع عن ماله ولو بقتل الصائل العادي فكيف لا يدفع عن عقله وبدنه وحرمته فإن الشيطان يفسد عقله ويعاقبه في بدنه وقد يفعل معه فاحشة ولو فعل إنسي هذا بإنسي ولم يندفع إلا بالقتل جاز قتله وأما إسلام صاحبه والتخلي عنه فهو مثل إسلام أمثاله من المظلومين وهذا فرض على الكفاية مع القدرة فإن كان عاجزا وهو مشغول بما هو أوجب منه أو قام غيره به لم يجب وإن كان قادرا وقد تعين عليه ولا يشغله عما هو أوجب منه وجب عليه وقول السائل هل هذا مشروع فهذا من أفضل الأعمال وهو من أعمال الأنبياء والصالحين فما زال الأنبياء والصالحون يدفعون الشياطين عن بني آدم بما أمر الله تعالى به ورسوله - صلى الله عليه وسلم - كما كان المسيح عليه الصلاة والسلام يفعل ذلك وكما كان نبينا - صلى الله عليه وسلم - يفعل ذلك ولو قدر أنه لم ينقل ذلك لكون مثله لم يقع عند الأنبياء لكون الشياطين لم تكن تقدر أن تفعل ذلك عند الأنبياء وفعلت ذلك عندنا فقد أمرنا الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - بنصر المظلوم وإغاثة الملهوف ونفع المسلم بما يتناول ذلك وفي الصحيح قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الفاتحة وما أدراك أنها رقية وأذن له في أخذ الجعل وهذا كدفع ظالم الإنس من الكفار والفجار وقد يحتاج في إبراء المصروع ودفع الجن عنهم إلى الضرب فيضرب ضربا كثيرا جدا والضرب إنما يقع الجني ولا يحس به المصروع ويخبر بأنه لم يحس بشيء من ذلك ولا يؤثر في بدنه ويكون قد ضرب بعصا قوية على رجليه نحو ثلاثمائة أو أربعمائة ضربة وأكثر وأقل بحيث لو كان على الإنسي تقتله وإنما هو على الجني والجني يصيح ويصرخ ويحدث الحاضرين بأمور متعددة قال المجيب وقد فعلنا نحن هذا وجربناه مرات كثيرة يطول وصفها بحضرة خلق كثير.

الاستعانة عليهم: قال وأما الاستعانة عليهم بما يقال ويكتب مما لا يعرف معناه فلا يشرع استعماله إن كان فيه شرك فإن ذلك محرم وعامة ما يقول أهل العزائم فيه شرك وقد يقرءون مع ذلك شيئا من القرآن ويظهرونه ويكتمون ما يقولونه من الشرك وفي الاستشفاء بما شرعه الله تعالى ورسوله ما يغني عن الشرك وأهله والمسلمون وإن تنازعوا في جواز التداوي بالمحرمات فلا يتنازعون في أن الشرك والكفر لا يجوز التداوي به بحال لأن ذلك محرم في كل حال وليس هذا كالمتكلم به عند الإكراه فإن ذلك إنما يجوز إذا كان القلب مطمئنا بالإيمان والتكلم بما لا يفهم بالعربية إنما يؤثر إذا كان بقلب صاحبه ولو تكلم به مع طمأنينة قلبه بالإيمان لم يؤثر والشيطان إذا عرف أن صاحبه يستخف بالعزائم لم يساعده أيضا فإن المكره مضطر إلى التكلم به ولا ضرورة إلى إبراء المصاب به لوجهين أحدهما أنه قد لا يؤثر فما أكثر من يعالج بالعزائم فلا يؤثر بل يزيده شرا والثاني أن في الحق ما يغني عن الباطل والناس في هذا الباب ثلاثة أصناف قوم يكذبون بدخول الجن في الإنس وقوم يدفعون ذلك بالعزائم المذمومة فهؤلاء يكذبون بالموجود وهؤلاء يكفرون بالرب المعبود والأمة الوسطى تصدق بالحق الموجود وتؤمن بالإله الواحد المعبود وبعبادته ودعائه وذكره وأسمائه وكلامه تدفع شياطين الإنس والجن انتهى تلخيص الجواب قلت قوله وقد يحتاج في إبراء المصروع ودفع الجن عنهم إلى الضرب فيضرب ضربا كثيرا وقد ورد له أصل في الشرع وهو ما رواه الإمام أحمد وأبو داود وأبو القاسم الطبراني من حديث أم أبان بنت الوازع عن أبيها أن جدها انطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بابن له مجنون أو ابن أخت له فقال يا رسول الله إن معي ابنا لي أو ابن أخت لي مجنونا أتيتك به لتدعو الله تعالى له قال ائتني به قال فانطلقت به إليه وهو في الركاب فأطلقت عنه وألقيت عليه ثياب السفر وألبسته ثوبين حسنين وأخذت بيده حتى انتهيت به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أدنه مني واجعل ظهره مما يليني قال فأخذ بمجامع ثوبه من أعلاه وأسفله فجعل يضرب ظهره حتى رأيت بياض إبطيه ويقول اخرج عدو الله فأقبل ينظر نظر الصحيح ليس بنظر الأول ثم أقعده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين يديه فدعا له بماء فمسح وجهه ودعا له فلم يكن في الوفد أحد بعد دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفضل عليه وهذا الحديث فيه ضرب الجني وإن لم تدع الحاجة إلى الضرب فلا يضرب فقد روى ابن عساكر في الثاني من كتاب الأربعين الطوال حديث اسامة بن زيد قال حججنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجته التي حج فيها فلما هبطنا بطن الروحاء عارضت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة تحمل صبيا لها فسلمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يسير على راحلته ثم قالت يا رسول الله هذا ابني فلان والذي بعثك بالحق ما أبقى من خفق واحد من لدن أني ولدته إلى ساعته هذه فحبس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الراحلة فوقف ثم أكسع اليها فبسط إليها يده وقال هاته فوضعته على يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضمه إليه فجعله بينه وبين واسطة الرحل ثم تفل في فيه وقال اخرج يا عدو الله فإني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم ناولها إياه فقال خذيه فلن ترى منه شيئا تكرهينه بعد هذا إن شاء الله الحديث.

وفي أوائل مسند أبي محمد الدارمي من حديث أبي الزبير عن جابر معناه وقال فيه اخسأ عدو الله أنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحاصل ذلك أنه متى حصل المقصود بالأهون لا يصار إلى ما فوقه ومتى احتيج إلى الضرب وما هو أشد منه صير إليه ومن قتل الصائل من الجن قتل عائشة رضي الله عنها الجني الذي كان لا يزال يطلع في بيتها وحديث مجاهد كان الشيطان لا يزال يتزيا لي بابن عباس إذا قمت إلى الصلاة قال فذكرت قول ابن عباس فحصلت عندي سكينا فتز يالي فحملت عليه فطعنته فوقع وله وجبة فلم أره بعد ذلك.

وقد ذكرناه بسنده في الباب السادس ومن ذلك أحاديث تعرض الشيطان للنبي - صلى الله عليه وسلم - ومد يده إليه ولفته وذعته وذلك مذكور في موضعه من هذا الكتاب وقال القاضي أبو الحسن بن القاضي أبي يعلى ابن الفراء الحنبلي في كتاب طبقات اصحاب الإمام أحمد سمعت أحمد ابن عبيد الله قال سمعت أبا الحسن عبي بن أحمد بن علي العكبري قدم علينا من عكبرا في ذي القعدة سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة قال حدثني أبي عن جدي قال كنت في مسجد أبي عبد الله أحمد بن حنبل فأنفذ اليه المتوكل صاحبا له يعلمه أن له جارية بها صرع وسأله أن يدعو الله لها بالعافية فأخرج له أحمد نعلي خشب بشراك من خوص للوضوء فدفعه إلى صاحب له وقال له امض إلى دار أمير المؤمنين وتجلس عند رأس هذه الجارية وتقول له يعني الجني قال لك أحمد أيما أحب إليك تخرج من هذه الجارية أو تصفع بهذه النعل سبعين فمضى إليه وقال له مثل ما قال الإمام أحمد فقال له المارد على لسان الجارية السمع والطاعة لو أمرنا أحمد أن لا نقيم بالعراق ما أقمنا به إنه أطاع الله ومن أطاع الله أطاعه كل شيء وخرج من الجارية وهدأت ورزقت أولادا فلما مات أحمد عاودها المارد فأنفذ المتوكل إلى صاحبه أبي بكر المروزي وعرفه الحال فأخذ المروزي النعل ومضى إلى الجارية فكلمه العفريت على لسانها لا أخرج من هذه الجارية ولا أطيعك ولا أقبل منك احمد بن حنبل اطاع الله فأمرنا بطاعته .

الباب الرابع والخمسون في بيان سخرية الجن من الإنس

قال ابو بكر محمد بن عبيد حدثني عبد الرحمن بن عبد الله حدثنا عمي عن عمرو بن الهيثم عن ابيه عن جده قال خرجت أريد مرقوعا حتى إذا كنت على اربعة فراسخ إذا أنا بصحاب يلعبون عند عين قرية قمت أنظر إليهم فقام أحدهم فاستقبل صاحبه ثم وثب الآخر على عنقه ثم وثب آخر على عنق آخر فلما رأيت ذلك حملت الفرس عليهم فوقعوا يقهقهون مستلقين فخرجت أضرب فرسي فما مررت بشجرة إلا سمعت تحتها ضحكا وبه إلى الهيتم عن أبيه قال خرجت أنا وصاحب لي فإذا بامراة على ظهر الطريق فسألت أن نحملها فقلت لصاحبي أحملها قال فحملها خلفه قال فنظرت إليها ففتحت فاها فإذا يخرج من فيها مثل لهب الأتون فحملت عليها فقالت مالي ولك وصاحت فقال صاحبي ما تريد من البائسة قال ثم سار ساعة ثم التفت اليها ففتحت فاها فإذا يخرج مثل لهب الأتون قال فحملت عليها ففعلت ذلك حتى فعلت ثلاث مرات قال فلما رأيت ذلك صممت فطفرت فإذا هي بالأرض فقالت قاتلك الله ما أشد فؤادك ما رآه أحد قط إلا أنخلع فؤاده ، حدثنا عبد الرحمن بن أخي الأصمعي قال حدثني عمي قال خرج رجل بحضرموت ففر من الغول وهي ساحرة الجن فلما خاف أن ترهقه دخل في بئر فبالت عليه فخرج من البئر فتمعط شعره ولم يبق عليه شيء والله أعلم

الباب الخامس والخمسون في ان الطاعون من وخز الجن

 روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي موسى قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فناء أمتي بالطعن والطاعون قالوا يا رسول الله هذا الطعن قد عرفناه فما الطاعون قال وخز إخوانكم من الجن وفي كل شهادة ورواه ابن ابي الدنيا في كتاب الطواعين وقال فيه وخز أعدائكم من الجن ولا تنافي بين اللفظين لأن الأخوة في الدين لا تنافي العداوة لأن عداوة الجن والإنس بالطبع وإن كانوا مؤمنين فالعداوة موجودة قال ابن الأثير الوخز طعن ليس بنافذ والشيطان له ركض وهمز ونفث ونفخ ووخز قال الجوهري الركض تحريك الرجل ومنه قوله تعالى “ اركض برجلك “ وفي حديث المستحاضة هي ركضة من الشيطان يريد الدفعة والهمز شبيهة بالنفخ وهو أقل من التقل وقد نفث الراقي ينفث وينفك والنفخ معروف والوخز الطعن بالرمح وغيره
لا يكون نافذا قال الزمخشري يسمون الطاعون رماح الجن قال الازدي للحارث الملك الغساني
لعمرك ما خشيت على أبي
رماح مقيدة بني الحمار
ولكني خشيت على أبي
رماح الجن أو إياك حار

الباب السادس والخمسون في أن الاستحاضة ركضة من ركضات الشيطان

روى أبو داود وأحمد والترمذي وصححه من حديث حمنة بنت جحش قالت كنت استحاض حيضة شديدة كثيرة فجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أستفتيه فقلت يا رسول الله إني أستحيض حيضة كثيرة شديدة فما ترى فيها قد منعتني الصلاة والصيام فقال انعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم قالت هو أكثر من ذلك قال فاتخذي ثوبا قالت هو أكثر من ذلك قال فتلجمي قالت إنما أثج ثجأ فقال لها سآمرك بأمرين أيهما فعلت فقد أجزأ عنك من الآخر فإن قويت عليهما فأنت أعلم فقال لها إنما هذه ركضة من ركضات الشياطين فتحيضين ستة أيام أو سبعة في علم الله الحديث بطوله وهذا لا ينافي ما رواه البخاري في صحيحه من حديث عائشة في قصة فاطمة بنت أبي حبيش من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما ذلك عرق وفي رواية دم عرق انفجر وذلك لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم كما أخبر - صلى الله عليه وسلم - فإذا ركض ذلك العرق وهو جار سال منه الدم وللشيطان في هذا العرق الخاص تصرف وله به اختصاص زائد على عروق البدن جميعها ولهذا تتصرف السحرة فيه باستنجاد الشيطان في نزيف المرأة وسيلان الدم من فرجها حتى يكاد يهلكها ويسمون ذلك باب النزيف وإنما يستعينون فيه بركض الشيطان هنالك وإسالة الدم فكلامه - صلى الله عليه وسلم - يصدق بعضه بعضا وهو الشفاء والعصمة.
تعليق وبيان قلت وكذلك القول في قوله - صلى الله عليه وسلم - في الطاعون إنه وخز أعدائكم من الجن مع قوله - صلى الله عليه وسلم - غدة كغدة البعير يخرج من مراق البطن وذلك أن الجني إذا وخز العرق من مراق البطن خرج من وخزه الغدة فيكون وخز الجني سببا للغدة الخارجية .

الباب السابع والخمسون في نظرة الجن وإصابتها بني آدم بالعين

العين عينان عين إنسية وعين جنية وقد صح عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة فقال استرقوا لها فإن بها النظرة قال الحسين بن مسعود الفراء وقوله سفعة أي نظرة يعني من الجن يقول بها عين أصابتها من نظر الجن أنفذ من أسنة الرماح وقال الصولي يقال أزلقه إذا عانه وعانه ولفعه بعينه حدثنا الفضل بن الحباب حدثنا أبو عثمان المازني سمعت أبا عبيدة يقول يقال رجل معين للذي أصابته عين ورجل معيون للذي به منظر ولا مخبر له حدثنا أحمد بن محمد الأسدي سمعت الرياشي يقول يقال رجل معين ومعيون للذي أصابته العين ولبعضهم
وقد عالجوه بالتمائم والرقى
وصبوا عليه الماء من ألم النكس
وقالوا أصابته من الجن أعين
ولو علموا داووه من أعين الإنس
وقال أحمد في مسنده حدثنا ابن نمير حدثنا ثور بن يزيد عن مكحول عن أبي هريرة يرفعه العين ويحضرها الشيطان والله اعلم

الباب الثامن والخمسون في قتال عمار بن ياسر الجن

قال أبو بكر بن عبيد حدثنا اسحاق بن اسماعيل حدثنا وهب ابن جرير حدثنا ابي عن الحسن عن عمار بن ياسر قال قاتلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجن والإنس قيل وكيف قاتلت الجن والإنس قال كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فنزلنا منزلا فأخذت قربتي ودلوي لأستقي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أما إنه سيأتيك على الماء آت يمنعك منه فلما كنت على رأس البئر إذا رجل أسود كأنه مرس فقال والله لا تستقي منها اليوم ذنوبا واحدا فأخذني وأخذته فصرعته ثم أخذت حجرا فكسرت به وجهه وأنفه ثم ملأت قربتي فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال هل أتاك على الماء من أحد فقلت نعم فقصصت عليه القصة فقال أتدري من هو قلت لا قال ذاك الشيطان وقال أبو نعيم حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الكريم حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الحسين عن حميد بن هلال عن الأحنف بن قيس قال قال علي بن أبي طالب والله لقد قاتل عمار بن ياسر الجن والإنس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا هذا الإنس قد قاتل فكيف الجن فقال كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فقال لعمار انطلق فاستق لنا من الماء فانطلق فعرض له الشيطان في صورة عبد أسود فحال بينه وبين الماء فأخذه فصرعه عمار فقال له دعني وأخلي بينك وبين الماء ففعل ثم أتى فأخذه عمار الثانية فصرعه فقال دعني وأخلي بينك وبين الماء فتركه فأتى فصرعه فقال له مثل ذلك فتركه فوفى له فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الشيطان قد حال بين عمار وبين الماء في صورة عبد أسود وإن الله أظفر عمارا به قال علي فلقينا عمارا فقلت ظفرت يداك يا أبا اليقظان فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال كذا وكذا أما والله لو شعرت أنه شيطان لقتلته ولكن هممت أن أعض بأنفه لولا نتن ريحه والله أعلم

الباب التاسع والخمسون في تصفيد مردة الجن في شهر رمضان

روى الترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك عند كل ليلة وروى مسلم من حديث أبي هريرة يرفعه إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين وفي رواية إذا جاء رمضان فتحت أبواب الرحمة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين قال عبد الله بن أحمد سألت أبي عن حديث إذا جاء رمضان صفدت الشياطين قال نعم قلت الرجل يوسوس في رمضان ويصرع قال هكذا جاء الحديث في قوله صفدت أي شدت وأوثقت يقال صفده يصفده صفدا والصفد الوثاق والصفد ما يوثق به الأسير من قد وقيد وغل والأصفاد القيود والله سبحانه وتعالى أعلم

الباب الموفي ستين في أن الظباء ماشية الجن

قال عبد الله بن محمد حدثني هشام بن محمد عن أيوب بن خوط عن حميد بن هلال أو غيره قال كنا نتحدث أن الظباء ماشية الجن فأقبل غلام ومعه قوس ونبل فاستتر بارطأة وبين يديه قطيع من ظبي وهو يريد أن يرمي بعضه فهتف به هاتف لا يرى
إن غلام عسر اليدين
يسعى بلبد أو بلهزمين
متخذ الأرطاة جنتين
ليقتل التيس مع العنزين
فسمعت الظباء فتفرقت حدثني محمد بن صدران الأزدي حدثنا نوح ابن قيس حدثنا قيس حدثنا نعمان بن سهل الحراني قال بعث عمر ابن الخطاب رضي الله عنه رجلا إلى البادية فرأى ظبية مصرورة فطاردها
حتى إذا أخذها فإذا رجل من الجن يقول
يا صاحب الكنانة المكسورة
خل سبيل الظبية المصرورة
فإنها لضبية مضرورة
غاب أبوهم غيبة مذكورة
في كورة لا بوركت من كورة

حدثني أبي عن هشام عن محمد أن مالك بن نصر الدالاني من همدان قال سمعت شيخا لنا يذكر قال خرج مالك بن حريم الدلاني في نفر من قومه في الجاهلية يريدون عكاظ فاصطادوا ظبيا وأصابهم عطش شديد فانتهوا إلى موضع يقال له أجيرة فقصدوا ظبيا وجعلوا يشربون من دمه من العطش فلما ذهب دمه ذبحوه وخرجوا في طلب الحطب وكمن مالك في خبائه فأثار بعضهم شجاعا فأقبل منسابا حتى دخل رجل مالك فلاذ به وأقبل الرجل في أثره فقال يا مالك استيقظ فإن الشجاع عندك فاستيقظ مالك فنظر إليه وهو يلوذ فقال مالك للرجل عزمت عليك إلا تركته فكف عنه وانساب الشجاع إلى مأمنه وأنشأ مالك يقول :
وأوصاني الحريم بعز جاري وأمنعه وليس به امتناع
وأدفع ضيمة وأذب عنه وأمنعه إذا منع المتاع
فذلكم أبي عنه ينحو لسيء ما استجار به الشجاع
ولا تتحملوا دم مستجير تضمنه أجيرة فالتلاع
فإن لما ترون على أمرا له من دون أعينكم قناع
فارتحلوا واشتد بهم العطش فإذا هاتف يهتف بهم:
أيها القوم لا ماء أمامكم حتى تسوموا المطايا يومها التعبا
ثم اعدلوا شامة فالماء عن كثب عين رواء وماء يذهب اللغبا
حتى إذا ما أصبتم منه ريكمفاسقوا المطايا منه فاملئوا القربا
فنزلوا شامة فإذا هم في عين خرارة في أصل جبل فشربوا وسقوا هم إبلهم وحملوا ريهم حتى أتوا عكاظ ثم أقبئوا حتى انتهوا إلى ذلك الموضع فلم يروا شيئا وإذا هاتف يقول :
يا مال عني جزاك الله صالحة هذا وداع لكم مني وتنسيم
لا تزهدن في اصطناع الخير مع أحد إن الذي يحرم المعروف محروم
من يفعل الخير لا يعدم مغبته ما عاش والكفر بعد الغب مذموم
أنا الشجاع الذي أنجبت من رهق شكرت ذلك أن الشكر مقسوم

فطلبوا العين فلم يجدوها والله اعلم حدثنا أبو بكر التيمي رجل من ولد أبي بكر الصديق رضي الله عنه سمعت رجلا من بني عقيل قال صدت يوما تيسا من الظباء فجئت به إلى منزلي فأوثقته هناك فلما كان من الليل سمعت هاتفا يقول أنا فلان هل رأيت جمل اليتامى أخبرني صبي أن الإنسي أخذه قال أما ورب البيت لئن كان أحدث فيه شيئا لأخذن مثله فلما سمعت ذلك جئت إلى التيس فأطلقته فسمعته يدعوه فأقبل نحو الصوت وله حنين وإرزام كلحنين الجمل وإرزامه قال أبو بكر التيمي وأصاب رجل قنفذا فكفأ عليه برمة فبينا هو على الماء إذ نظر إلى رجلين عريانين أحدهما يقول واكبداه إن كان عفارا ذبح فقال الآخر ثكلت بعل عمتي إن لم أنح فلما سمعت ذلك جئت إلى البرمة وله جلبة تحتها فكشفت عنه فمر يخطر حدثني أبو الحسن الباهلي حدثني حسان بن غزوان الأسدي حدثني رقاد بن زياد قال حملت ظبيا جنح الليل فبات عندي فسمعت هاتفا يهتف من الليل يقول:
أيا طلحة الوادي ألا إن شاتنا
أصيبت بليل وهي منك قريب
أحسي لنا من بات يختل فرقنا
له بهليع الواديين دبيب
قال فبشكتها أي أطلقتها قال وسألته عن هليع الوادي قال أسفله والفرق من الظباء مثل القطيع من الغنم والله أعلم

الباب الحادي والستون في عبادة الإنس الجن

قال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر قال قال عبد الله بن مسعود كان نفر من الإنس يعبدون نفرا من الجن فأسلم النفر من الجن واستمسك هؤلاء بعبادتهم فأنزل الله تعالى “ أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب
ورواه شعيب عن الاعمش ورواه البيهقي بسنده عن سفيان عن الأعمش ومن طريق آخر عن عبد الله بن عتبة ابن مسعود قال نزلت في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجن فأسلم الجنيون والإنس كانوا يعبدونهم لا يشعرون فنزلت “ أولئك الذين يدعون “ الآية والله تعالى أعلم

الباب الثاني والستون في جواز المذاكرة بحديث الجن

قال عبد الله بن محمد القرشي حدثنا الحسن بن علي حدثني إسحاق بن إبراهيم بن زريق حدثني عمرو بن الحارث حدثنا عبد الله بن سالم عن الزبيدي قال أخبرني محمد بن مسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال يوما لمن حضر من جلسائه اذكروا شيئا من حديث الجن فقال رجل يا أمير المؤمنين خرجت أنا وصاحبان لي نريد الشام فأصبنا ظبية عضباء وأدركنا راكب من خلفنا وكنا أربعة فقال خل سبيلها فقلت لا لعمرك لا أخلي سبيلها فقال لربما رأيتنا في هذه الطريق ونحن أكثر من عشرة فيخطف بعضنا بعضا فأذهلني ما كان يا أمير المؤمنين حتى نزلنا ديرا يقال له دير العنيف فارتحلنا وهي معنا فإذا هاتف يهتف وهو يقول
يا أيها الركب السراع الأربعة
خلوا سبيل النافر المروعة
مهلا عن العضبا ففي الأرض سعة
ولا أقل قول كذوب إمعة
قال فخليت سبيلها يا أمير المؤمنين فعرض لازمة ركابنا فأميل بنا إلى
حي عظيم فأتى علينا طعام وشراب ثم مضينا حتى أتينا الشام وقضينا حوائجنا ثم رجعنا حتى إذا كنا في المكان الذي ميل بنا إليه إذا أرض قفر ليس بها سفر فأيقنت يا أمير المؤمنين أنهم حي من الجن فأقبلت سائرا إلى الدير فإذا هاتف يهتف
إياك لا تعجل وخذها من ثقة
إني أسير الحد يوم الحجفقة
قد لاح نجم واستوى بمشرقه
ذو ذنب كالشعلة المحرقة
يخرج من ظلماء عسر موبقه
إني امرؤ أنباؤه مصدقة
فأقبلت يا أمير المؤمنين فإذا النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ظهر ودعا إلى الإسلام فأسلمت قال رجل وأنا يا أمير المؤمنين خرجت وصاحب لي نريد حاجة لنا فإذا شخص راكب حتى إذا كان منا مزجر الكلب هتف بأعلى صوته أحمد يا أحمد الله أعلى وأمجد محمد أتانا بإله يوحد يدعو إلى الخير وإليه فاعمد فراعنا ذلك فأجابه صوت عن يساره يقول
أنجز ما أوعد من شق القمر
حان له والله إذ دين ظهر

فإذا النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو إلى الإسلام فأسلمت قال عمر وأنا كنت عند دريح لنا إذ هتف هاتف من جوفه يا لدريح يا لدريح صائح يصيح بأمر فليح ورشد نجيح يقول لا إله إلا الله فأقبلت فإذا النبي صلى قد ظهر ودعا إلى الله فأسلمت قال خريم ابن فاتك وأنا أضللت إبلا لي فخرجت في طلبها حتى إذا كنت ببارق العراق فأنخت راحلتي ثم علقتها ثم أنشأت أقول أعوذ بسيد هذا الوادي أعوذ بعظيم هذا الوادي ثم وضعت رأسي على جمل فإذا بهاتف من الليل يهتف ويقول
الا فعذ بالله ذي الجلال
ثم اقرأ آيات من الأنفال
ووحد الله ولا تبال
ما هول الجن من الأهوال
فانتبهت فزعا فقلت
يا أيها الهاتف ما تقول
ارشد عندك أم تضليل
فأجابني
هذا رسول الله ذو الخيرات
أرسله يدعو إلى النجاة
وينزع الناس عن الهنات
يأمر بالصوم وبالصلاة
وفي الخبر زيادة من غير هذا الطريق الهاتف ظهر له وضمن عود إبله إلى أهله وأمره بالمضي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه مضى فدخل المدينة وجاء المسجد والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب فأخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - بحال الهاتف وانه ممن آمن بن من الجن وهذه القصة تدخل في مواضع من الكتاب منها أن الظباء ماشية الجن ومنها إخبار الجن بظهور النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنها دعاء الإنس إلى الإسلام ومنها دلالة الجن على ما يدفع كيدهم وبالله التوفيق

الباب الثالث والستون في إخبار الجن بمبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - وحراسة السماء منهم بالنجوم

ذكر الزبير بن أبي بكر وغيره أن إبليس كان يخترق السموات قبل عيسى عليه السلام فلما ولد وبعث عليه السلام حجب عن ثلاث سموات فلما ولد محمد - صلى الله عليه وسلم - حجب عنها كلها وقذفت الشياطين بالنجوم ، وقالت قريش حين كثر القذف بالنجوم قامت الساعة فقال عتبة ابن ربيعة انظروا إلى العيوق فإن كان قد رمي به فقد آن قيام الساعة وإلا فلا وذكر ابن اسحاق ما رميت به الشياطين حين ظهر القذف بالنجوم لئلا يلتبس بالوحي وليكون ذلك أظهر للحجة وأقطع للشبهة قال السهيلي والذي قاله صحيح ولكن القذف بالنجوم كان قديما وذلك موجود في أشعار القدماء من الجاهلية منهم عوف بن الخرع وأوس بن حجر وبشر بن أبي خازم وكلهم جاهلي وقد وصفوا الرمي بالنجوم وأبياتهم في ذلك مذكورة في مشكل ابن قتيبة في تفسير سورة الجن وذكر عبد الرازق في تفسيره عن معمر عن ابن شهاب انه سئل عن هذا الرمي بالنجوم أكان في الجاهلية قال نعم ولكنه لما جاء الإسلام غلظ وشدد وفي قوله سبحانه “ وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا “ ولم يقل حرست دليل على أنه قد كان منه شيء فلما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ملئت حرسا شديدا وشهبا وذلك لينحسم أمر الشياطين وتخليطهم ولتكون الآية أبين والحجة أقطع وإن وجد اليوم كاهن فلا يدفع ذلك بما أخبر الله من طرد الشيطان عن استراق السمع فإن ذلك التغليظ والتشديد كان زمن النبوة ثم بقيت منه أعني من استراق السمع بقايا يسيرة بدليل وجودهم على الندور وفي بعض الأزمنة في بعض البلاد وقد سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الكهان فقال ليسوا بشيء فقيل إنهم يتكلمون بالكلمة فتكون كما قالوا فقال تلك الكلمة من الحق يحفظها الجني فيقرها في أذن وليه قر الزجاجة فيخلط فيها أكثر من مائة كذبة ويروى قر الدجاجة بالدال وعلى هذه الرواية تكلم قاسم بن ثابت في الدلائل قال السهيلي والزجاجة بالزاي اولى لما ثبت في الصحيح فيقرها في أذن وليه كما تقر القارورة ومعنى يقرها يصبها ويفرغها قال الراجز:
لا تفرغن في أذني بعدها
ما يستقر فأريك فقدها

وقال ابن دريد يقال قر عليه دلوا من ماء إذا صبها عليه وفي تفسير ابن سلام عن ابن عباس قال إذا رمى الشهاب الجني لم يخطئه ويحرق ما أصاب ولا يقتله وعن الحسن قال يقتله في أسرع من طرفة العين وفي تفسير ابن سلام أيضا عن أبي قتادة أنه كان مع قوم فرمى بنجم فقال لا تتبعوه أبصاركم وفيه أيضا عن حفص أنه سأل الحسن أيتبع بصره الكوكب فقال قال الله تعالى “ وجعلناها رجوما للشياطين “ وقال تعالى “ أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض “ قال كيف نعلم إذا لم ننظر إليه لأتبعنه بصرى وذكر ابن اسحاق حديث ابن عباس وفيه كنا إذا رأيناه نقول يموت عظيم أو يولد عظيم والحديث في صحيح مسلم ولفظه أن عبد الله بن عباس قال أخبرني رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار أنهم بينا هم جلوس عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ رمى بنجم فاستنار فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كنتم تقولون في الجاهلية إذا رمى بمثل هذا قالوا الله ورسوله أعلم كنا نقول ولد الليلة رجل عظيم أو مات رجل عظيم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته ولكن ربنا تبارك اسمه إذا قضى أمرا سبح حملة العرش ثم سبح أهل السموات الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا ثم يقول الذين يلون حملة العرش لحملة العرش ماذا قال ربكم فيخبرونهم ماذا قال فيستخبر بعض أهل السماء بعضا حتى يبلغ الخبر هذه السماء الدنيا فيخطف الجن السمع فيقذفون إلى أوليائهم ويرمون فما جاءوا به على وجهه فهو حق ولكنهم يقذفون فيه ويزيدون وفي هذا دليل على ما قدمناه من أن القذف بالنجوم قد كان قديما ولكنه إذ بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غلظ وشدد كما قال الزهري ملئت السماء حرسا شديدا وشهبا وقوله في آخر الحديث من رواية ابن اسحاق وقد انقطعت الكهانة اليوم فلا كهانة يدل قوله اليوم على تخصيص ذلك الزمان كما قدمناه والذي انقطع اليوم وإلى يوم القيامة أن تدرك الشياطين ما كانت تدركه في الجاهلية الجهلاء عند تمكنها من سماع أخبار السماء وما يوجد اليوم من كلام الجن على ألسنة المجانين إنما هو خبر منهم عما يرونه في الأرض مما لا نراه نحن كسرقة سارق وخبية في مكان خفي أو نحو ذلك وأن أخبروا بما سيكون كان تخرصا وتظننا فيصيبون قليلا ويخطئون كثيرا وذلك القليل الذي يصيبون فيه هو ما تتكلم به الملائكة في العنان كما في حديث البخاري فيطردون بالنجوم فيضيفون إلى الكلمة الواحدة أكثر من مائة كذبة كما قال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتقدم

وذكر ان أول العرب فزع للرمي بالنجوم حين رمى بها للقذف ثقيف وأنهم جاءوا إلى رجل منهم يقال له عمرو بن امية أحد بني علاج وكان أدهى العرب وأكثرها رأيا فقالوا له يا عمرو ألم تر ما حدث في السماء من القذف بهذه النجوم قال بلى فانظروا فإن كانت معالم النجوم التي يهتدى بها في البر والبحر وتعرف بها الأنواء من الصيف والشتاء لما تصلح الناس في معايشهم هي التي يرمى بها فهو والله طي الدنيا وهلاك هذا الخلق الذي فيها وان كانت نجوما غيرها وهي ثابتة فهذا الأمر أراد الله تعالى بهذا الخلق وروى ابن عبد البر من طريق أبي داود بسنده إلى الشعبي قال لما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - رجمت الشياطين بنجوم لم تكن ترجم بها قبل فأتوا عبد ياليل بن عمرو الثقفي فقالوا إن الناس قد فزعوا وأعتقوا رقبتهم وسيبوا أنعامهم لما رأوا في النجوم فقال لهم وكان رجلا أعمى لا تعجلوا وانظروا فإن كانت النجوم التي تعرف فهي عند فناء الناس وإن كانت لا تعرف فهي من حدث فنظروا فإذا هي نجوم لا تعرف فقالوا هذا من حدث فلم يلبثوا حتى سمعوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم -
فصل
روى أبو جعفر العقيلي في كتاب الصحابة عن رجل من بني لهب يقال له لهب أو أبو لهب قال حضرت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت عنده الكهانة فقلت بأبي أنت وأمي نحن أول من عرف حراسة السماء وزجر الشياطين ومنعهم من استراق السمع عند قذف النجوم وذلك أننا أجتمعنا إلى كاهن لنا يقال له خطر بن مالك وكان شيخا كبيرا قد أتت عليه مائتان وثمانون سنة وكان من أعلم كهاننا فقلنا يا خطر هل عندك علم من هذه النحوم التي يرمى بها فإنا قد فزعنا لها وخشينا سوء عاقبتها فقال
عودوا إلى السحر
أخبركم الخبر
ألخير أم ضرر
أو لأمن أو حذر

قال فانصرفنا عنه يومنا فلما كان من غد وجه السحر أتيناه فإذا هو قائم على قدميه شاخص في السماء بعينيه فناديناه يا خطر يا خطر فأومأ إلينا أمسكوا فأمسكنا فانقض نجم عليه من السماء وصرخ الكاهن رافعا صوته
أصابه أصابة
خامره عقابه
عاجله عذابه
احرقه شهابه
يا ويله ما حاله
بلبله بلباله
عاوده خباله
تفصمت حباله
وغيرت أحواله
ثم أمسك طويلا وقال :
يا معشر بني قحطان أخبركم بالحق والبيان
أقسمت بالكعبة والاركان
والبلد المؤتمن السدان
قد منع السمع عناة الجان
بثاقب بكف ذي سلطان
من أجل مبعوث عظيم الشأن
يبعث بالتنزيل والقرآن
وبالهدى وفاضل القرآن
يبطل به عبادة الأوثان
فقلنا له ويحك يا خطر إنك لتذكر أمرا عظيما فماذا ترى لقومك فقال
أرى لقومي ما أرى لنفسي
إن يتبعوا خير نبي الإنس
برهانه مثل شعاع الشمس
يبعث في مكة دار الخمس
بمحكم التنزيل غير اللبس

فقلنا له يا خطر وممن هو فقال والحياة والعيش إنه لمن قريش ما في حكمه طيش ولا في خلقه هيش يكون في جيش وأي جيش من آل قحطان وآل إيش فقلنا له بين لنا من أي قريش هو فقال والبيت ذي الدعائم والركن والأحائم إنه لمن نجل هاشم من معشر أكارم يبعث بالملاحم وقتل كل ظالم ثم قال هذا هو البيان أخبرني به رئيس الجان ثم قال الله أكبر جاء الحق وظهر وانقطع عن الجن الخبر ثم سكت وأغمي عليه فما أفاق إلا بعد ثلاثة فقال لا إله إلا الله فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقد نطق عن مثل نبوة وإنه ليبعث يوم القيامة أمة وحده قوله اصابه إصابة الثاني بكسر الهمزة وهي بدل من واو مكسورة والمعنى أصابه وصابه جمع وصب وقوله من آل قحطان هم الأنصار لأنهم من قحطان وآل إيش قال السهيلي يحتمل أن يكون قبيلة من الجن المؤمنين ينسبون إلى إيش قلت ذكر ابن دريد أن بني الشيطان وبني إيش قبيلتان من الجن ثم قال السهيلي وأحسبه أراد بآل إيش بني إقيش وهم حلفاء الأنصار من الجن فحذف من الاسم حرفا وقد تفعل العرب مثل هذا وقد وقع ذكر بني أقيش في السيرة في حديث البيعة قلت وقد وقع ذكر بين الشيطان وبني أقيش في قصة وأنهما حيان من الجن وقد ذكرتها في أمر الجن الذين سمعوا القرآن من النبي - صلى الله عليه وسلم - وقوله والأحائم يجوز أن يكون أراد الأحاوم بالواو فهمز الواو لانكسارها والأحاوم جمع أحوام وأحوام جمع حوم وهو الماء في البئر فكأنه أراد ماء زمزم والحوم أيضا إبل كثيرة ترد الماء فكأنه أراد ماء زمزم ويجوز أن يريد بها الطير التي تحوم على الماء فيكون بمعنى الحوائم وقلب اللفظ فصار بعد فواعل افاعل والله أعلم وروى ابن اسحاق حديث عمر ابن الخطاب وقصته مع سواد بن قارب وروى غير ابن اسحاق هذا الخبر عن عمر وأن عمر مازح سوادا فقال ما فعلت كهانتك يا سواد فغضب سواد فقال قد كنت أنا وأنت على شر من هذا من عبادة الأصنام وأكل الميتات أفتعيرني بأمر قد تبت منه فقال عمر حينئذ الهم غفرانك والحديث في صحيح البخاري أخصر وفي الألفاظ اختلاف وقد روى في الحديث زيادة حسنة وهي أن سوادا حدث عمر أن رئيه جاءه ثلاث ليال متواليات هو فيها كلها بين النائم واليقظان فقال له قم يا سواد اسمع مقالتي واعقل إن كنت تعقل قد بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من لؤي من غالب يدعو إلى الله وعبادته وأنشده في كل ليلة من الثلاث ليال ثلاثة أبيات معناها واحد وقافيتها مختلفة في الأولى
عجبت للجن وتطلابها
وشدها العيس بأقتابها
تهوى إلى مكة تبغي الهدى
ما صادق الجن ككذابها
فأرحل إلى الصفوة من هاشم
ليس قداماها كأذنابها
وفي الثانية
عجبت للجن وإبلاسها
وشدها العيس بأحلاسها
تهوى إلى مكة تبغي الهدى
ما طاهر الجن كأنجاسها
فارحل على الصفوة من هاشم
ليس ذنابا الطير من رأسها
وفي الثالثة
عجبت للجن وتنفارها
وشدها العيس بأكوارها
تهوى إلى مكة تبغي الهدى
ما مؤمن الجن ككفارها
فارحل إلى الأتقين من هاشم
ليس ذوو الشر كأخيارها
وذكر تمام الخبر فقال له عمر هل يأتيك رئيك الآن فقال منذ القرآن لم يأتني ونعم العوض كتاب الله عز وجل من الجن وفي آخره شعر
سواد إذ قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنشده ما كان من الجن رئيه إليه ثلاث ليال متواليات وذكر قوله
أتاني نجيي بعد هدء ورقدة
ولم يك فيما قد بلوت بكاذب
ثلاث ليال قوله كل ليلة
أتاك نبي من لؤي بن غالب
فرفعت أذيال الإزار وشمرت
بي العرمس الوجنا هجول السباسب
فأشهد أن الله لا شيء غيره
وأنك مأمون على كل غائب
وأنك أدنى المرسلين وسيلة
من الله بابن الأكرمين الأطايب
فمرنا بما يأتيك من وحي ربنا
وإن كان مما جئت شيب الذوائب
وكن لي شفيعا يوم لاذو شفاعة
بمغن فتيلا عن سواد بن قارب
فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه وقال لي أفلحت يا سواد وقال أبو بكر بن محمد القرشي حدثنا أبو الأحوص محمد ابن الهيثم حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا ابو عثمان بن سعيد بن كثير ابن دينار حدثنا عبد الله بن عبد العزيز الزهري حدثني أخي محمد ابن عبد العزيز عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن أنس السلمي عن عباس ابن مرداس قال كان إسلام عباس بن مرداس أنه كان في لقاح نصف النهار إذ طلعت نعامة بيضاء عليها راكب عليه ثياب مثل اللبن قال فقال لي يا عباس ألم تر أن السماء بثت احراسها وأن الجن جرعت أنفاسها وأن الخيل وضعت أحلاسها وان الذي نزل بالبر والتقوى يوم الأثنين ليلة الثلاثاء صاحب الناقة القصوى قالت فخرجت مرعوبا قد راعني ما رأيت وسمعت حتى جئت وثنا لنا يدعى الضمار كنا نعبده ونكلم من جوفه فدخلت عليه فكنست ما حوله وقمت ثم تمسحت به وقبلته فإذا صائح يصيح من جوفه يا عباس
قل للقبائل من سليم كلها
هلك الضمار وفاز أهل المسجد
هلك الضمار وكان يعبد مرة
قبل الصلاة إلى النبي محمد
ذاك الذي جا بالنبوة والهدى
بعد ابن مريم من قريش مهتدى
قال فخرجت مرعوبا حتى جئت قومي فقصصت عليهم القصة وأخبرتهم الخبر قال فخرجت في ثلاثمائة من قومي من بني حارثة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة فتبسم ثم قال يا عباس كيف كان إسلامك فقصصت عليه القصة فسر بذلك وأسلمت أنا وقومي وقال أبو بكر القرشي حدثنا حاتم بن الليث الجوهري حدثني سليم بن عبد العزيز الزهري حدثني أبي عبد العزيز بن عمران عن عمه محمد بن عد العزيز عن ابيه عمر بن عبد الرحمن بن عوف قال لما ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هتفت الجن على أبي قبيس وعلى الجبل الذي بالحجون
فأقسم لا أنثى من الناس أنجبت
ولا ولدت أنثى من الناس واحده
كما ولدت زهرية ذات مفخر
مجنبة لوم القبائل ماجده
فقد ولدت خير القبائل أحمدا
فأكرم بمولود وأكرم بوالده
وقال الذي على أبي قبيس
يا ساكني البطحاء لا تغلطوا
وميزوا الأمر بعقل مضى
إن بني زهرة من سركم
في غابر الدهر وعند البدي
واحدة منكم فهاتوا لنا
فيمن مضى في الناس أو من بقي
واحدة من غيركم ومثلها
جنينها مثل النبي التقى
وروى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر قال ما سمعت عمر يقول لشيء قط إني لأظنه كذا إلا كان كما يظن بينا عمر جالس إذ مر به رجل جميل فقال لقد أخطأ ظني أو أن هذا على دينه في الجاهلية أو لقد كان كاهنهم على بالرجل فدعى له فقال له عمر لقد أخطأ ظني أو أنك على دينك في الجاهلية أو لقد كنت كاهنهم فقال ما رأيت كاليوم استقبل به رجل مسلم قال فإني أعزم عليك إلا ما أخبرتني قال كنت كاهنهم في الجاهلية قال فما أعجب ما جاءتك به جنيتك قال بينا انا في سوق يوما جاءتني أعرف فيها الفزع فقالت:
ألم تر إلى الجن وإبلاسها
ويأسها بعد إبلاسها
ولحوقها بالقلاص وأحلامها
قال عمر صدق بينا أنا قائم عند آلهتهم إذ جاء رجل بعجل فذبحه فصرخ به صارخ لم اسمع قط صارخا أشد صوتا منه يقول يا جليح أمر
نجيح رجل يصيح يقول لا إله إلا الله فوثب القوم فقلت لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا ثم نادى يا جليح أمر نجيح رجل يصيح يقول لا إله إلا الله قلت لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا ثم نادى يا جليح أمر نجيح رجل يصيح يقول لا إله إلا الله فما نشبت أن قيل هذا نبي قال البيهقي ظاهر هذه الرواية يوهم أن عمر نفسه سمع الصارخ يصرخ من العجل الذي ذبح وكذلك هو صريح في رواية عن عمر في إسلامه وسائر الروايات تدل على أن هذا الكاهن أخبر بذلك عن رؤيته وسماعه والله أعلم

وقد روى الإمام أحمد عن مجاهد قال حدثنا شيخ أدرك الجاهلية ونحن في غزوة رودس يقال له ابن عيسى قال كنت اسوق لآل لنا بقرة فسمعت من جوفها يال ذريح يا قول فصيح رجل يصيح أن لا إله إلا الله قال فقدمنا مكة فوجدنا النبي - صلى الله عليه وسلم - قد خرج بمكة قال عبد الله بن احمد حديث غريب بإسناد جيد وروى البيهقي بسنده قصة مازن الطائي وأنه كان بأرض عمان بقرية تدعى شمائل وكان يسدن الأصنام لأهله وكان له صنم يقال له ناجر فقال مازن فعترت ذات يوم عتيرة وهي الذبيحة فسمعت صوتا من الصنم يقول يا مازن يا مازن أقبل إلي أقبل إلي تسمع ما لا تجهل هذا نبي مرسل جاء بحق منزل فآمن به كي تعدل عن حر نار تشعل وقودها بالجندل قال مازن فقلت والله إن هذا لعجب ثم عترت بعد أيام عتيرة أخرى فسمعت صوتا أشد من الأول وهو يقول يا مازن اسمع تسر ظهر خير وبطن شر بعث نبي مضر بدين الله الأكبر فدع نحيتا من حجر تسلم من حر سقر قال مازن فقلت والله إن هذا لعجب وأنه لخير يراد بي وقد مر علينا رجل من أهل الحجاز فقلنا ما الخبر وراءك قال خرج رجل من تهامة يقول لمن أتاه أجيبوا داعي الله يقال له احمد قال فقلت هذا والله نبأ ما سمعت فسرت إلى الصنم فكسرته جذاذا وشددت راحلتي ورحلت حتى أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فشرح الله صدري إلى الإسلام فأسلمت وأنشأت أقول:
كسرت ناجر أجذاذا وكان لنا
ربا نطيف به ضلا بتضلال
بالهاشمي هدانا من ضلالتنا
ولم يكن دينه مني على بال
يا راكبا بلغني عمرا وإخوته
إني لمن قال ربي ناجر قالى

يعني بعمرو وإخوته بن خطامة قال مازن فقلت يا رسول الله إني امرؤ مولع بالطرب وشرب الخمر وبالهلوك من النساء فألحت علينا السنون فاذهبن الأموال وأهزلهن الذراري والرجال وليس لي ولد فادع الله أن يذهب عني ما أجد ويأتيني بالحياة ويهب لي ولدا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - الهم أبد له بالطرب قراءة القرآن وبالحرام الحلال وبالخمر ريا لا إثم فيه وبالعهر عفة الفرج وأته بالحيا وهب له ولدا قال مازن فأذهب الله عني كل ما كنت أجد وأخصب عمان وتزوجت أربع حرائر ووهب لي حيان بن مازن وأنشأت أقول:
إليك رسول الله حنت مطيتي
تجوب الفيافي من عمان إلى العرج
لتشفع لي يا خير من وطئ الحصى
فيغفر لي ربي فأرجع بالفلج
إلى معشر خالفت في الله دينهم
فلا رأيهم رأيي ولا سرجهم سرجي
وكنت امرأ بالعزف والخمر مولعا
حياتي حتى آذن الجسم بالنهج
فبدلني بالخمر خوفا وخشية
وبالعهر أحصانا وحصن لي فرجي
فأصبحت همي في جهاد ونيتي
فلله ما صومي ولله ما حجي
قال مازن فلما رجعت إلى قومي أنبوني وشتموني وأمروا شاعرهم فهجاني فقلت إن هجوتهم فإنما أهجو نفسي فتركتهم وأنشأت أقول
شتمكم عندنا مر مذاقته
وشتمنا عندكم يا قومنا حسن
لا ينشب الدهر إن بثت معائبكم
وكلكم أبدا في عينا فطن
شاعرنا مفحم عنكم وشاعركم
في حربنا مبلغ في شتمنا لسن
ما في الصدور عليكم من منغصة
وفي صدوركم البغضاء والأحن
وروى أن مازنا لما تنحى عن قومه أتى موضعا فابتنى مسجدا يتعبد فيه فهو لا يأتيه مظلوم يتعبد فيه ثلاثا ثم يدعو محقا على من ظلمه يعني إلا استجيب له فيكاد يعافى من البرص والمسجد يدعى مبرصا إلى اليوم قال مازن ثم إن القوم ندموا وكنت القيم بأمورهم فقالوا ما عسينا ان نصنع به فجاءني طائفة عظيمة فقالوا يا ابن عم عبنا عليك أمرا فنهيناك عنه فإذا تبت فنحن تاركوك ارجع معنا فرجعت معهم فأسلموا بعد كلهم.

وقد روى في معني حديث مازن أخبار كثيرة منها حديث عمرو بن جبلة فيما سمع من جوف الصنم يا عصام يا عصام جاء الإسلام وذهبت الأصنام ومنها حديث طارق من بني هند بن حرام يا طارق ابن يا طارق بعث النبي الصادق ومنها حديث وقشة فيما أخبر به رئيه فنظر إلى ذباب بن الحارث فقال يا ذباب يا ذباب اسمع العجب العجاب بعث محمد بالكتاب يدعو بمكة لا يجاب وغير ذلك مما يطول استقصاؤه وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري أخبرني علي بن الحسين قال إن أول خبر قدم المدينة أن امرأة من أهل يثرب تدعى فطيمة كان لها تابع من الجن فجاءها يوما فوقع على جدارها فقالت مالك لا تدخل فقال إنه بعث نبي حرم الزنا فحدثت تلك المرأة عن تابعها من الجن فكان أول خبر حدث بالمدينة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وروى البيهقي بسنده عن جابر قال أول خبر قدم المدينة عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أن امرأة من أهل المدينة كان لها تابع فجاء فى صورة طائر حتى وقع على حائط دارها فقالت له المرأة انزل نخبرك وتخبرنا قال لا إنه بعث بمكة نبى منع منا القرار وحرم علينا الزنا والله الموفق

الباب الرابع والستون فى إخبار الجن بنزول النبى - صلى الله عليه وسلم - خيمة أم معبد حين الهجرة

قال ابن إسحاق حدثت عن أسماء بنت أبى بكر أنها قالت لما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل فوقفوا على باب أبى بكر فخرجت إليهم فقالوا أين أبوك يا بنت أبى بكر قلت لا أدرى والله أين أبى قالت فرفع أبو جهل يده وكان فاحشا خبيثا فلطم خدى لطمة طرح منها قرطى قالت ثم انصرفوا فمكثنا ثلاث ليال لا ندرى أين وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أقبل رجل من الجن من أسفل مكة يتغنى بأبيات من شعر غناء العرب وإن الناس ليتبعونه يسمعون صوته وما يرونه حتى خرج من أسفل مكة وهو يقول:
جزى الله رب الناس خير جزائه
رفيقين حلا خيمتي أم معبد
هما نزلا بالبر ثم ترحلا
فأفلح من أمسى رفيق محمد
ليهن بني كعب مكان فتاتهم
ومقعدها للمؤمنين بمرصد
قالت أسماء فلما سمعنا قوله علمنا حيث وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن وجهه إلى المدينة لم يزد ابن هشام في روايته عن ابن اسحاق على هذا وروى ابن قتيبة القصة بألفاظ مختلفة يقصر شرح ألفاظها وفيها زيادة منها قوله
فيال قصي ما زوى الله عنكم
به من فعال لا تجارى وسؤدد
سلوا اختكم عن شاتها وإناثها
فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد
دعاها بشاة حائل فتحلبت
عليه صريحا صرة الشاة مزبد
فغادرها رهنا لديها لحالب
يرددها في مصدر ثم مورد
ويروى أن حسان بن ثابت لما بلغه شعر الجني وما هتف به بمكة قال يجيبه
لقد خاب قوم غاب عنهم نبيهم
وقدس من يسرى إليهم ويغتدى
ترحل عن قوم فضلت عقولهم
وحل على قوم بنور مجدد
هداهم به بعد الضلالة ربهم
وأرشدهم من يتبع الحق يرشد
وهل يستوي ضلال قوم تسفهوا
عمايتهم هاد به كل مهتدي
لقد نزلت منه على أهل يثرب
ركاب هدى حلت عليهم بأسعد
نبي يرى مالا يرى الناس حوله
ويتلو كتاب الله في كل مسجد
وإن قال في يوم مقالة غائب
فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد
ليهن أبا بكر سعادة جده
بصحبته من يسعد الله يسعد
وزاد يونس في روايته أن قريشا لما سمعت الهاتف من الجن أرسلوا إلى أم معبد وهي بخيمتها فقالوا هل مر بك محمد الذي من حليته كذا فقالت لا أدري ما تقولون وإنما صادفني حالب الشاة الحائل وكانوا أربعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر ومولاه عامر بن فهيرة وعبد الله بن أريقط الليثي دليلهم ولم يكن إذ ذاك مسلما ولا صح أنه أسلم بعد ذلك وأم معبد اسمها عاتكة بنت خالد الاشعري ووهم ابن هشام فقال أم معبد بنت كعب امرأة من بني كعب وزوجها ابو معبد لا يعرف اسمه توفي في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقال إن له رواية وكان منزل أم معبد بقديد.

وذكر ابن قتيبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأم معبد وكان القوم مرملين مسنتين فطلبوا لبنا أو لحما يشترونه فلم يجدوا عندها شيئا فنظر إلى شاة في كسر الخيمة خلفها الجهد عن الغنم فسألها هل بها من لبن فقالت هي أجهد من ذلك فقال أتأذنين لي أن أحلبها فقالت بأبي أنت وأمي إن رأيت بها حلبا فاحلبها فدعا بالشاة فاعتقلها ومسح ضرعها فتفاجت ودرت واجترت ودعا بإناء يربض الرهط فحلب فيه حتى ملأه لبنا وسقى القوم حتى رووا ثم شرب آخرهم ثم حلب فيه مرة أخرى فشربوا نهلا بعد نهل ثم غادره والشاة عندها وذهبوا وجاء أو معبد وكان غائبا فلما رأى اللبن قال ما هذا يا أم معبد أني لك هذا والشاة عازب حيال ولا حلوب بالبيت فقالت لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك فقال صفيه يا أم معبد فوصفته بما ذكره القتيبي وورد في حديث آخر أن آل أم معبد كانوا يؤرخون بذلك اليوم ويسمونه يوم الرجل المبارك يقولون فعلنا كيت وكيت قبل أن يأتينا الرجل المبارك أو بعد ما جاءنا الرجل المبارك ثم أن أم معبد أتت المدينة بعد ذلك بما شاء الله ومعها ابن لها صغير قد بلغ السعي فمر في المدينة على مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يكلم الناس على المنبر فانطلق إلى أمه يشتد وقال يا أماه إني رأيت اليوم الرجل المبارك فقالت له ويحك يا بني هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وروى هشام بن حبيش الكعبي قال أنا رأيت تلك الشاة يعني التي حلبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنها لتأدم أم معبد وجميع صرمها أي أهل ذلك الماء والله أعلم

الباب الخامس والستون في إخبار الجن بإسلام السعدين

قال أبو بكر عبد الله بن محمد حدثني أبي عن هشام بن محمد أنبأنا عبد المجيد بن أبي عيسى بن محمد بن أبي عيسى بن جبير عن أبيه عن جده قال سمعت قريش صائحا يصيح على أبي قبيس
فإن يسلم السعدان يصبح محمد
بمكة لا يخشى خلاف مخالف

فقال أبو سفيان وأشراف قريش من السعود سعد بن بكر وسعد ابن زيد مناة وسعد بن قضاعة فلما كان في الليلة الثانية سمعوا صوته على أبي قبيص
أيا سعد سعد الأوس كن انت ناصرا
ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف
أجيبا دعا داعي الهدى وتمنيا
على الله في الفردوس ذات رفائف
قال فقالوا هذا سعد بن عبادة وسعد بن معاذ وذكره أبو عمر ابن عبد البر وقال أبو بكر حدثنا العباس بن هشام حدثني هشام بن محمد ابن عبد المجيد بن أبي عيسى قال سمع بالمدينة في بعض الليل هاتف يقول
خير كهلين في بني الخزرج الغر
يسيروا سعد بن عبادة
المحيبان إذ دعا أحمد الخير
فنالتهما هناك السعادة
ثم عاشا مهذبين جميعا
ثم لقاهما المليك شهادة

الباب السادس والستون في إخبار الجن بقصة بدر

ذكر قاسم بن ثابت في الدلائل أن قريشا حين توجهت إلى بدر مر هاتف من الجن على مكة في اليوم الذي أوقع به المسلمون وهو ينشد بأبعد صوت ولا يرى شخصه
أزار الحنيفيون بدرا وقيعة
سينقض منها ركن كسرى وقيصرا
أبادت رجالا من لؤي وأبرزت
حرائر يضربن الترائب حسرا
فيا ويح من أمسى عدو محمد
لقد حاد عن قصد الهدى وتحيرا
فقال قائلهم من الحنيفيون فقالوا هو محمد وأصحابه يزعمون أنهم على دين إبراهيم الحنيف ثم لم يلبثوا أن جاءهم الخبر اليقين والله أعلم

الباب السابع والستون في إخبار الجن بقتلهم سعد بن عبادة

ذكر ابن عبد البر وغيره أن سعد بن عبادة كان تخلف عن بيعة أبي بكر وخرج عن المدينة ولم ينصرف إليها إلى ان مات بحوران من أرض الشام لسنتين ونصف مصتا من خلافة عمر وذلك سنة خمس عشرة وقيل سنة أربع عشرة وقيل بل مات سعد بن عبادة في خلافة أبي بكر وقيل سنة إحدى عشرة ولم يختلفوا أنه وجد ميتا في مغتسله وقد أخضر جسده ولم يشعروا بموته حتى سمعوا قائلا يقول ولا يرون أحدا
قد قتلنا سيد الخزرج
سعد بن عبادة
ورميناه بسهمين
فلم نخط فؤاده
ويقال إن الجن قتلته وروى ابن جريج عن عطاء أنه قال سمعت أن الجن قالت في سعد بن عبادة فذكر البيتين وقال الزمخشري يزعمون أن علقمة بن صفوان وحرب بن أمية من قتلى الجن قالوا وقالت الجن
وقبر حرب بمكان قفر
وليس قرب قبر حرب قبر
قالوا ومن الدليل على أن هذا من شعر الجن أن أحدا لا يقدر أن ينشده ثلاث مرات متصلة من غير تتعتع ويقدر على تكرار اشق بيت من أبيات غير الجن عشر مرات من غير تتعتع والله أعلم

الباب الثامن والستون في جواز سؤال الجن عن الأحوال الماضية دون الأمور المستقبلة

قال ابو بكر القرشي حدثنا عبد الله بن بدر حدثنا يحيى بن يمان عن سفيان عن عمر بن محمد عن سالم بن عبيد الله قال أبطأ خبر عمر على أبي موسى فأتى امرأة في بطنها شيطان فجاء فسألها عنه فقالت حتى يجئ إلى شيطاني فجاء فسألته عنه قال تركته مؤتزرا بكساء يهنأ إبل الصدقة وذاك لا يراه شيطان إلا خر لمنخره الملك بين يديه وروح القدس ينطق بلسانه وقال عبد الله بن احمد بن حنبل في فضائل الصحابة حدثنا داود ابن رشيد حدثنا الوليد يعني ابن مسلم عن عمر بن محمد حدثنا سالم ابن عبدالله قال راث على أبي موسى الأشعري خبر عمر وهو أمير البصرة وكان بها امرأة في جنبها شيطان يتكلم فأرسل اليها رسولا فقال لها مري صاحبك فليذهب فليخبرني عن أمير المؤمنين قالت هو باليمن يوشك أن يأتي فمكثوا غير طويل قالوا اذهب فأخبرنا عن أمير المؤمنين فإنه قد راث علينا فقال إن ذلك الرجل ما نستطيع أن ندنو منه بين عينيه روح القدس وما خلق الله شيطانا يسمع صوته إلا خر لوجهه وفي خبر آخر أن عمر أرسل جيشا فقدم شخص إلى المدينة فأخبر أنهم انتصروا على عدوهم وشاع الخبر فسأل عمر عن ذلك فذكر له فقال هذا ابو الهيثم يريد المسلمين من الجن وسيأتي يريد الإنس فجاء بعد ذلك بعدة أيام

فصل :قال أبو العباس أحمد بن تيمية أما سؤال الجن وسؤال من يسألهم فهذا إن كان على وجه التصديق لهم في كل ما يخبرون به والتعظيم للسؤال فهو حرام كما ثبت في الصحيح عن معاوية بن الحكم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قيل له إن قوما منا يأتون الكهان قال فلا تأتوهم وفي صحيح مسلم عنه عليه الصلاة والسلام انه قال من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوما وأما إن كان يسأل المسئول ليمتحن حاله ويختبر باطن أمره وعنده ما يميز به صدقه من كذبه فهذا جائز كما ثبت في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل ابن صياد فقال ما يأتيك قال يأتيني صادق وكاذب قال ما ترى قال ارى عرشا على الماء قال فإني قد خبأت لك خبيئا قال هو الدخ قال اخسأ فلن تعدو قدرك فإنما أنت من إخوان الكهان وكذلك إذا كان يسمع ما يقولون ويخبرون به عن الجن كما يسمع المسلمون ما يقوله الكفار والفجار ليعرفوا ما عندهم فكما يسمع خبر الفاسق ويتبين ويتثبت فلا يجزم بصدقه ولا بكذبه إلا ببينة كما قال الله تعالى “ إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا “ وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة أن اهل الكتاب كانوا يقرءون التوراة ويفسرونها بالعربية فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم فإما أن يحدثوكم بحق فتكذبوه وإما أن يحدثوكم بباطل فتصدقوه وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون فقد جاز للمسلمين سماع ما يقولونه وإن لم يصدقوه ولم يكذبوه ثم ساق حديث يريد الجن الذي قدمناه وحديث أبي موسى الأشعري المتقدم

رأي المؤلف وتعليقه
قلت لا شك أن الله تعالى أقدر الجن على قطع المسافة الطويلة في الزمن القصير بدليل قوله تعالى “ قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك “ فإذا سأل سائل عن حادثة وقعت أو شخص في بلد بعيد فمن الجائز أن يكون الجني عنده علم من تلك الحادثة وحال ذلك الشخص فيخبر ومن الجائز أن لا يكون عنده علم فيذهب ويكشف ثم يعود فيخبر ومعه هذا فهو خبر واحد لا يفيد غير الظن ولا يترتب عليه حكم غير الاستئناس وسيأتي في الأبواب الآتية أنواع مما أخبروا به عقيب وقوعه ثم تبين بعد ذلك وقوعه بإخبار الإنس وأما سؤالهم عما لم يقع وتصديقهم فيه بناء على أنهم يعلمون الغيب فكفر وعليه يحمل قوله - صلى الله عليه وسلم - لا تأتوهم وقوله من أتى عرافا الحديث والله أعلم

الباب التاسع والستون في شهادة الجن للمؤذنين يوم القيامة

في صحيح البخاري والموطأ وغيرهما من حديث ابن أبي صعصعة أن أبا سعيد قال له أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في باديتك أو غنمك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس إلا شهد له يوم القيامة قال أبو سعيد سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم –

الباب الموفي سبعين في نعي الجن عبد الله بن جدعان وفيه قصة إصابته الكنز

قال عبد الله بن محمد بن عبيد حدثني أبي حدثنا هشام بن محمد قال أخبرني معروف بن خربوذ عن أبي الطفيل عامر بن وائلة قال أخبرني شيخ من أهل مكة عن الأعشى بن إلياس بن زرارة التميمي حليف بني عبد الدار قال خرجت مع نفر من قريش نريد الشام فنزلنا بواد يقال له وادي عوف فعرسنا به فاستيقظت في بعض الليل فإذا أنا بقائل يقول
ألا هلك النساك غيث بني فهر
وذو الباع والمجد التليد وذو الفخر
فقلت في نفسي والله لأجيبنه فقلت
ألا أيها الناعي أخا الجود والفخر
من المرء تنعاه لنا من بني فهر
فقال
نعيت ابن جدعان بن عمرو أخا الندى
وذا الحسب القدموس والمنصب القهر
فقلت
لعمري لقد نوهت بالسيد الذي
له الفضل معروفا على ولد النضر
فقال
مررت بنسوان يخمشن أوجبها
صياحا عليه بين زمزم والحجر
فقلت
متى إن عهدي فيه منذ عروبة
وتسعة أيام لغرة ذا الشهر
فقال
ثوى منذ أيام ثلاث أيام كوامل
مع الليل أو في الليل أو وضح الفجر

فاستيقظت الرفقة فقالوا من تخاطب فقلت هذا هاتف ينعى ابن جدعان فقالوا والله لو بقي احد بشرف أو عز أو كثرة مال لبقي عبد الله بن جدعان فقال ذلك الهاتف
أرى الأيام لا تبقى عزيزا
لعزته ولا تبقي ذليلا
فقلت
ولا تبقى من الثقلين شغرا
ولا تبقي الحزون ولا السهولا
قال فنظرنا في تلك الليلة فرجعنا إلى مكة فوجدناه قد مات كما قال
قلت عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم يكنى أبا زهير هو ابن عم عائشة الصديقة كان في ابتداء أمره صعلوكا وكان مع ذلك شريرا لا يزال يجني الجنايات فيعقل عنه أبوه وقومه حتى أبغضته عشيرته ونفاه أبوه وحلف أن لا يؤويه أبدا لما أثقله من الغرم وحمله من الديات فخرج في شعاب مكة حائرا يتمنى نزول الموت به فدخل في شق جبل يرجو أن يكون فيه ما يقتله ليستريح فإذا ثعبان عظيم له عينان تقدان كالسراجين فحمل عليه الثعبان فأفرج له فانساب عنه مستديرا بدارة عندها بيت فخطا خطوة أخرى فصعد به الثعبان وأقبل اليه كالسهم فأفرج له فانساب فوقع في نفسه أنه مصنوع فأمسكه فإذا هو مصنوع من ذهب وعيناه ياقوتتان فكسره وأخذ عينيه ودخل البيت فإذا جثث طوال على سرر لم ير مثلهم طولا وعظما وعند رؤوسهم لوح من فضة فيه تاريخهم فإذا هم رجال من ملوك جرهم وآخرهم موتا الحارث بن مضاض صاحب القرية الطويلة وإذا عليهم ثياب لا يمس منها شيء إلى أنتثر كالهباء من طول الزمن قال ابن هشام كان اللوح من رخام وكان فيه أبو نفيلة بن عبد المدان ابن خشرم بن عبد ياليل بن جرهم بن قحطان بن هود نبي الله عشت خمسمائة عام وقطعت غور الأرض باطنها وظاهرها في طلب الثروة والمجد والملك فلم يكن ذلك ينجيني من الموت وتحته مكتوب
قد قطعت البلاد في طلب الثروة
والمجد قالص الأثواب
وسريت البلاد قفرا لقفر
بقناتي وقوتي واكتسابي
فأصاب الردى سواد فؤادي
بسهام من المنايا صعاب
فانقضت شرتي واقصر جهلي
واستراحت عواذلي من عتابي
ودفعت السفاه بالحلم لما
نزل الشيب في محل الشباب
صاح هل رأيت أو سمعت براع
رد في الضرع ما قرى في الحلاب
وإذا في وسط البيت كوم عظيم من الياقوت واللؤلؤ والذهب والفضة و الزبرجد فأخذ منه ما أخذ ثم علم على الشق بعلامة وأغلق بابه بالحجارة وأرسل إلى أبيه بالمال الذي خرج به يسترضيه ويستعطفه ووصل عشيرته كلهم وسادهم وجعل ينفق من ذلك الكنز ويطعم الناس ويفعل المعروف فلما كبر وهرم أراد بنو تميم أن يمنعوه من تبذير ماله ولاموه في العطاء فكان يدعو الرجل فإذا دنا منه لطمه لطمة خفيفة ثم يقول قم فأنشد لطمتك واطلب ديتها فإذا فعل أعطته بنو تميم من مال ابن جدعان حتى يرضى وذكر ابن قتيبة في غريب الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال كنت أستظل بظل جفنة عبد الله بن جدعان صكة عمى يعني بالهاجرة قال ابن قتيبة كانت جفنته يأكل منها الراكب على البعير وسقط فيها صبي فغرق أي مات وكان أمية بن أبي الصلت قبل أن يمدحه اتى بني الديان من بني الحارث بن كعب فراى طعام بني عبد المدان منهم لباب البر والشهد والسمن وكان ابن جدعان يطعم التمر والسويق ويسقي اللبن فقال أمية
ولقد رأيت الفاعلين وفعلهم
فرأيت أكرمهم بني الديان
البر يلبك بالشهاد طعامهم
لا ما تعللنا بنو جدعان
فبلغ شعره عبد الله بن جدعان فأرسل ألفي بعير إلى الشام تحمل إليه البر والشهد والسمن وجعل مناديا ينادي على الكعبة إلا هلموا إلى جفنة عبد الله ابن جدعان فقال أمية عند ذلك
له داع بمكة مشمعل
وآخر فوق كعبتها ينادي
إلى ردح من الشيزا عليها
لباب البر يلبك بالشهاد

وفي صحيح مسلم أن عائشة رضي الله عنها قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن ابن جدعان كان يطعم الطعام ويقري الضيف فهل ينفعه ذلك يوم القيامة فقال لا لأنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين وروى ابن اسحاق ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ولو دعيت إليه في الإسلام لأجبت المراد به حلف الفضول وكان في ذي القعدة قيل المبعث بعشرين سنة والله أعلم

الباب الحادي والسبعون في بيان نوح الجن على أبي عبيدة وأصحابه

قال أبو بكر بن محمد حدثني العباس بن هشام بن محمد عن أبيه عن محمد بن سعيد بن راشد مولى النخع عن رجل من اهل الطائف قال لما أبطأ علي عمر بن الخطاب خبر أبي عبيدة بن مسعود وأصحابه وكانوا بقبس الناطف اشتد همه وجعل يسأل عن خبرهم فقدم رجل من أهل الطائف فحدث في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم كانوا بواد من أودية الطائف يقال له سهر أسمار فسمعوا نائحة يحسبون أنها بالقرب منهم فسمعوا نساء ينحن ويقلن
مت على الخيرات ميتة خالد
إذا ما صبرت يوم اللقاء
قدس الله معركا شهدوه
والملا الأبرار خير ملاء
معركا فيه ظلت الجن تبكي
مبسمات الأبكار بيض الدماء
كم كريم مجدل غادروه
مؤمن القلب مستجاب الدعاء
يقطع الليل لا ينام صلاة
وجؤارا يمده ببكاء
ثم يقلن يا أبا عبيداه يا سليطاه قال الطائفي فجعلنا نتبع الصوت فنسمع الأبيات وما يقلن بعدها ونحن منه في البعد على حال واحدة فقدم الطائفي على عمر فأخبره فكتب عمر الذي سمع منه فوجدوا أبا عبيدة وأصحابه قتلوا ذلك اليوم سليطاه المذكور في الندبة هو سليط بن قيس الأنصاري كان على الناس هو وأبو عبيدة بن مسعود والله تعالى أعلم

الباب الثاني والسبعون في نوحهم على النخع لما أصيبوا يوم القادسية

قال ابن ابي الدنيا حدثني العباس بن هشام بن محمد عن أبيه عن جده قال سمعت أشياخ النخع يذكرون قالوا أصيب النخع بالقادسية فسمعوا نوح الجن في واد من أودية اليمن وهم يقولون ألا فاسلمي يا عكرم ابنة خالد
وما خير زاد بالقليل المصرد
فحيتك عني الشمس عند طلوعها
وحيال عني كل ركب مفرد
وحيتك عني عصبة نخعية
حسان الوجوه آمنوا بمحمد
أقاموا لكسرى يضربون جنوده
بكل رقيق الشفرتين مهند
إذا ثوب الداعي أقاموا بكلكل
من الموت مغبر العياطيل أسود
قال فجاءهم ما أصاب النخع يوم القادسية من القتل والله تعالى أعلم

الباب الثالث والسبعون في رثاء الجن عمر بن الخطاب رضي الله عنه

قال القرشي حدثني محمد بن عباد بن موسى حدثني محمد ابن ثابت البناني عن ابيه قال قالت عائشة رضي الله عنها إذا سركم أن يحسن المجلس فأكثروا وذكر عمر بن الخطاب ثم قالت والله إنا لوقوف بالمحصب إذ أقبل راكب حتى إذا كان قدر ما يسمع صوته قال
أبعد قتيل بالمدينة اشرقت
له الأرض واهتز الفضاء بأسوق
جزى الله خيرا من إمام وباركت
يد الله في ذاك الأديم الممزق
قضيت أمورا ثم غادرت بعدها
بوائح في أكمامها لم تفتق
وكنت نشرت العدل بالبر والتقى
وحلم صليب الدين غير مروق
فمن يسع أو يركب جناحي نعامة
ليدرك ما قدمت بالأمس يسبق
أمين النبي حبه وصفيه
كساه المليك جبة لم تمزق
ترى الفقراء حوله في مفازة
شباعا رواء ليلهم لم يروق
قالت ثم انصرفنا فلم نر شيئا قال الناس هذا مزرد ثم أقبلنا حتى انتهينا على المدينة فوثب إليه أبو لؤلؤة الخبيث فقتله فوالله إنه لمسجى بيننا إذ سمعنا صوتا في جانب البيت لا ندري من أين يجيء ليبك على الإسلام من كان باكيا
فقد أوشكوا هلكي وما قرب العهد
وأدبرت الدنيا وأدبر خيرها
وقد ملها من كان يوقن بالوعد

فلما ولي عثمان لقي مزردا فقال انت صاحب الأبيات قال والله يا أمير المؤمنين ما قلتهن قال فيرون أن بعض الجن رثاه وقال أبو بكر بن محمد حدثنا يجيى الساجي حدثنا عبدة بن عبد الله حدثنا محمد بن بشر حدثنا مسعر عن عبد الملك بن عمير عن الصقر بن عبد الله عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت بكت الجن على عمر بن الخطاب قبل أن يقتل بثلاث فقالت
جزى الله خيرا من أمير وباركت
يد الله في ذاك الأديم الممزق
وليت أمورا ثم غادرت بعدها
بوائح في أكمامها لم تفتق
فمن يسع أو يركب جناحي نعامة
ليدرك ما قدمت بالأمس يسبق
وما كنت أخشى أن تكون وفاته
بكفي سليف أزرق العين مطرق
فيالقتيل بالمدينة أظلمت
له الأرض واهتز الفضاء بأسوق
فلقاك ربي في الجنان تحية
ومن كسوة الفردوس لا تنخرق
ورواه عباس الدوري عن محمد بن بشر فذكره

الباب الرابع والسبعون في نوحهم على عثمان بن عفان رضي الله عنه

قال ابن أبي الدنيا حدثنا محمد بن عتاب ابو بكر الأعين حدثنا أبو عاصم النبيل عن عثمان بن مرة عن أمه قالت لما قتل عثمان بن عفان ناحت الجن عليه فقالوا:
ليلة للجن إذ يرمون بالصخر الصلاب
ثم قاموا بكرة ينعون صقرا كالشهاب
زينهم في الحي والمجلس فكاك الرقاب
قال القرشي حدثني العباس بن هشام حدثني ابن مسعر بن كدام عن ابيه قال قتل رجل من بني عمرو بن عبد مناف بن هلال بن عامر مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم صفين فسمعوا نائحة من الجن وهي تقول
ألا فاسألوا العمرين عن صاحب الجمل
في غير مسهام ولا طائش وكل
يكر الركائب في المكاره كلها
ويعلم أن الأمر منقطع الأمل
رأى المؤلف وتعليقه
قلت كانت وقعة صفين في سن سبع وثلاثين من الهجرة ولا حاجة بنا إلى ذكر ما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم أجمعين

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

0 التعليقات:

إرسال تعليق